انتصر القضاء لحق الأردنيين في أموالهم المسروقة من شركة الفوسفات؛ فاعتبارا من يوم أمس، لم يعد وليد الكردي متهما، صار مدانا بالسجن 32 عاما، ودفع مبلغ 285 مليون دينار هي جزء من أموال الشركة التي سرقها. وهناك مبالغ أخرى لا تقل عن المبلغ المذكور ما تزال مخفية في بنوك أجنبية.
الحكم صدر غيابيا لأن الكردي هرب إلى خارج البلاد، وأشرف من مكان إقامته في لندن على تنظيم حملة تشكيك في إجراءات التحقيق التي نفذها القضاء وهيئة مكافحة الفساد بكفاءة واقتدار، ورفض العودة للمثول إلى القضاء. لكن في حال قرر تسليم نفسه، فستتم محاكمته من جديد.
رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الخامس عشر، المحامي مبارك أبو يامين، أكد لكاتب المقال أنه بعد مرور اتفاقية تبادل المطلوبين بين الأردن وبريطانيا، التي أقرها مجلس النواب يوم أول من أمس، بمراحلها الدستورية ونشرها في الجريدة الرسمية، سيصبح من حق الأردن مطالبة بريطانيا بتسليم الكردي الذي تبين أنه يحمل الجنسية البريطانية. لكن المحامي أبو يامين يلفت النظر إلى قيمة أخرى مهمة في قرار محكمة الجنايات الذي اعتبر مبلغ الـ285 مليون دينار غرامات ومصاريف، وبالتالي يكون هذا المبلغ من حق خزينة الدولة وليس شركة الفوسفات؛ أي أن الأموال المنهوبة هذه ستعود للدولة، حسب أبو يامين. والتحدي المهم أمام الحكومة حاليا هو توظيف القرار لاستعادة هذه الأموال بأسرع وقت ممكن.
بذلت جهات التحقيق، بدعم كبير من الحكومة، جهودا مضنية على مدار الأشهر الماضية لجمع البينات التي تدين الكردي بالجرائم المنسوبة إليه، وحصلت على أدلة موثقة بالبيانات حول حسابات الكردي في البنوك الأجنبية، وخاصة البريطانية، وعناوين الشركات التي أسسها في الخارج لتنفيذ الصفقات لحسابه. وقد عملت مختلف الأجهزة الرسمية في هذه القضية باحتراف ومهنية، ما يؤكد القدرة على تحقيق اختراقات مهمة في ملفات فساد أخرى ما تزال معلقة إلى يومنا هذا، في حال توفر الإرادة السياسية لفتحها ومتابعتها.
ظل وليد الكردي واحدا من الأشخاص النافذين في الأردن، مستغلا وضعه الاجتماعي الخاص. وحوّل شركة الفوسفات إلى مملكة عائلية يحكم فيها كما يشاء، معتمدا على دعم الشريك الاستراتيجي "بروناي" الذي كان يمثله من موقعه في رئاسة مجلس إدارة الشركة. كان مجرد التلميح إلى تجاوزاته في الفوسفات، أمرا مكلفا ومحظورا. ومع موجة التغيير التي هبت على العالم العربي قبل سنتين، لم يعد بإمكان أحد أن يوفر الحماية للفاسدين. ورغم المحاولات الحثيثة من أشخاص متنفذين لـ"لفلفة" القضية وإغلاقها، إلا أن الملف أخذ طريقه للقضاء.
يؤكد مطلعون أن المبالغ المنهوبة من الشركة أضعاف المبلغ الذي تم توثيقه في القضية. وعليه، فإن ملف القضية سيظل مفتوحا، ليس لاستعادة كامل الأموال المهربة للخارج، بل واستعادة ملكية الشركة. ولهذه الغاية، كان رئيس الوزراء قد اجتمع قبل شهرين في القاهرة مع سلطان بروناي، وبحث معه شراء حصة بلده في الشركة. الطلب الأردني قوبل باستجابة أولية من السلطان، على أن يتابع الطرفان المفاوضات في المستقبل القريب.
المهم اليوم أن القضاء قال كلمته في الكردي. ولا نريد أن نرى بعد اليوم من يذرف الدموع على شخص مدان نهب أموال الشركة وتوارى في لندن. كل ما نطمح إليه هو المزيد من الأحكام القضائية بحق أشخاص من أمثال الكردي ما يزالون طلقاء.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد