إلغاء معاهدة عربة أم دفن عملية السلام؟!
ممدوح ابودلهوم
05-06-2013 08:51 PM
الخلط المتعجل والناتج في الغالب الأعم عن حالة غضب آنية بإزاء موقف مستفز هو أيضاَ آني وسرعان ما يزول, هو خلط لا يمكن البناء عليه في القرارات المصيرية التي تتعلق بمصالح العباد وشؤون البلاد, وأنا أشير هنا إلى الخلط في المسائل الكبرى بين اليومي السيّار الذي ينزل في باب المتحول المتغير وبالتالي التكتيكي, وبين الثابت الإستراتيجي والذي تُبنى عليه فيما يجب السياسات العليا لأي دولة مستقلة ذات علم وسيادة, وهو فيما نعلم جميعاً يأتي خلاصة لسيناريوهات الخطط المختلفة الأمداء القصيرة منها والمتوسطة والطويلة، والتي يضعها في العادة المعنيون كنهج عمل في إدارة الدولة.
من هنا ووفق القراءة آنفاً يمكن الحكم على ردود الأفعال الغاضبة ببعديها الرسمي والشعبي– النيابي.. منها بوجه خاص, حول ما قامت به سلطات الكيان الإسرائيلي الغاشمة مؤخراً بحق المسجد الأقصى المبارك, بأنها ردود– على عفوي توجهها ونقاء منطلقها- تنزل في باب الخلط المتعجل الذي ألمحنا إليه في مفتتح السطور هذه .
في التفاصيل لم يجمع نواب الشعب كما أجمعوا على هذه الغضبة المضرية بالأصالة عنهم وبالنيابة عن الأردنيين كافة، ففي الأخبار ورود نبأ اعتقال قوات الإحتلال المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ محمد حسين بعد مداهمة منزله في مدينة القدس المحتلة, و في السياق ذاته لم يشر الغاضبون في مجلس النواب والمعارضون في الشارع السياسي أيضا، إلى خبر اعتقال المهندس مصطفى أبو زهرة رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس من جهة باب الأسباط (أحد بوابات المسجد الأقصى المبارك), مع أنه لا يقل أهمية عن خبر اعتقال الشيخ حسين.
مطالبة أعضاء مجلس النواب بالإجماع بطرد السفير الإسرائيلي وعودة السفير الأردني أي قطع العلاقات (المقطوعة أصلا ً!) بين الأردن وإسرائيل, هو رد فعل شعبي قومي وعاطفي له التوقير والإجلال نحن جميعا معه ونتمنى له شافي الجواب، لولا أنه في حال تطبيقه بقطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين ما يعني على الأرض إلغاء معاهدة وادي عربة، وهي المعاهدة التي لم يوقعها الأردن إلا بعد أن وقع المصريون معاهدة كامب ديفيد، ثم تبعهم الفلسطينيون عام 93 بالتوقيع فيما سمي باتفافية أوسلو، ثم بعد ما جدَّ من تداعيات لها حيثياتها السياسية والقانونية على علاقات الدولة الأردنية مع منظمة التحرير- كممثل شرعي ووحيد، وهي تداعيات جاءت فيما نعلم جميعا كإفرازات لقرارات القادة العرب، أهمها وفيما يخص العلاقة الأردنية الفلسطينية هو قرار قمة الرباط 1974 باعتبار منظمة التحرير قيادة شرعية للشعب الفلسطيني، وما انتظار الأردن 14 عاما أي منذ عام 74 حتى عام 88 بفك الارتباط مع الضفة الغربية، إلا دليل ما يأتيه باطل التقولات والأدق الجعجعات على حرص الأردن ملكا وحكومة وشعبا على فلسطين والفلسطينيين والتمسك بالتالي بالثوابت القومية، كل أولئك وبعد كل ذلك وقع الأردن معاهدة السلام في وادي عربة عام 94 مع إسرائيل.
إلغاء المعاهدة، باختصار.. وللحديث صلة، يعني دفن عملية السلام أي العودة إلى ما يسمى بحرب الاستنزاف كوجه من وجوه حالة اللا حرب واللا سلم، فإذا استبعدنا بمراهقة سياسية ميزان الربح والخسائر مع أن الأدق هو الخسائر والخسائر (!) ووضعنا أصابعنا في آذاننا بعاطفية خرقاء بترك حقيقة أن الأردن هو الرئة الوحيدة للفلسطينيين خلفنا ظهرياً، وإذا وإذا وإذا فهل نحن حقا قادرون ماديا سياسيا لوجستيا واستراتيجيا على إلغاء المعاهدة أي بالتالي إعلان الحرب ؟!