في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، دخل نفر من البشر في حالة من الفِطْرية الحياتية، بحيث كان كل شيء هادئاً وممتلأً بمكونات الطبيعة. وبدأ هذا النفر يحس أنّه ذاهب نحو الروتين، وقاصد صوب مراتع من الركود، وأصبح كل شيء يسير على وتيرة واحدة، مكررة لذاتها كل صباح وكل مساء. العمل متماثل مع أجزائه، والهدوء مملوء بالصدى الذاتي. لا جديد خارج إطار السكون. وظلت الساعات والثواني ترتدي ذات الثياب، وتتحرك في نفس الاتجاه، وتقطع ذات المسافات في نفس الزمن.
ملّ هذا النفر الأمر، فسارعوا إلى تناول علاج اسمه LSD، وهو يسبب كثيراً من الهلوسة. قصد الناس هذا الدواء حتى يخرجوا من حالة اللامعنى، وقالوا إنهم سيزيدون من الجرعات حتى يبدأوا يسمعون الألوان ويروْن الأصوات، كي يشعروا أن هناك جديداً في حياتهم يجعلهم يكافحون في سبيل الخروج من أزماتهم وتصحيح انحرافاتها. وهنا أصبحت تجارب البرت هوفمان مع عقار LSD مخرجاً مقبولاً.
ولما أن كان العالَمْ، كما يرى هوفمان، مملوءاً بالأمراض النفسية المستعصية، فإن علاجه الذي اخترعه وما يسببه من فقدان الإنسان الوعي بالزمان والمكان، ويفقد كثيراً من تحكمه بما يدور حوله، بعد أن يفقد الكثير من القدرة على الإدراك، فإن الأمر الذي سيكون حلاًّ ناجحاً في سبيل التقليل من صعوبة التعامل مع الطبيعة.
في التاسع والعشرين من نيسان عام 2008، توفي هوفمان عن عمر يناهز 102 عاماً، وحمل معه حزناً كثيراً لأن دواءه قد مُنِع بسبب ما أحدثه من اختلالات في نفوس متعاطية.
ارتحل البشر بعد ذلك، حتى دخلوا في القرن الحادي والعشرين، فامتلأت نفوسهم بالاضطراب العقلي والنفسي، وتُوِّج ذلك بحالات من الاكتئاب والقلق والتوتر والوساوس والمخاوف، فصاروا عدوانيين، يرفضون القانون ويخالفونه. وتمردوا على كل شيء. حتى ما يترتب عليهم من واجبات أساسيّة أصبحوا مهتمين جداً في الاعتداء عليها، ورفض إطاعتها.
ومن هنا فإن علاجاً استخدم منذ حوالي خمسة عشر عاماً اسمه Pro Zac يوصف للكآبة ومضاعفاتها. وبالفعل أخذ الناس يلجأون إلى هذا الدواء للخروج من حالات عدم التركيز وعدم الاهتمام والقلق والتفكير بممارسة العدوان. وفي محاولة من الناس كي يعيدوا لعقولهم الرؤية الطبيعية بعد أن أصبح كل شيء غريباً ومشوّهاً، فإنهم لجأوا إلى البرو زاك.
كل ما سبق هو حديث علمي فيه من التبسيط ما يتناسب مع قدرتي على فهم مستعصيات الطب والصيدلة. وأهمية الأمر لدى شخص مثلي تقوم على نصيحة أُقَدِّمُها للحكومة، أرجو أن تدرسها ولو على مستوى هامشي من الاهتمام. فلو مثلاً اتخذت الحكومة قراراً بشراء كميات من علاج Pro Zac ووزعته على المواطنين بدون مقابل "ببلاش"، بواقع حبّة لكل مواطن يومياً، عندها ما الذي سيحدث؟
الجواب كائن في أن هؤلاء المواطنين سيصبحون مدمني Pro Zac، الأمر الذي يعني أنهم سيخرجون من حالات التوتر والقلق ورفض القانون، واستخدام العنف، واستساغة التهرب من الواجبات، وامتهان الفساد، والتهرب من دفع الضرائب، ومقارفة الموبقات، واحتراف السرقة، وتهديد الأمن، والتظاهر بمعنى وبدون معنى، وتكسير الدوائر الحكومية، والاعتداء على موظفي الدولة، والافتخار بأن أحدهم أصبح مطلوباً خطراً للدولة، والتعدي على أموال الناس.
وبحسبة بسيطة كم ستكون مرابح الدولة مقابل حبة واحدة يومياً لكل مواطن بالمجّان من علاج Pro Zac. وغير ذلك، استحلفكم الله، ماذا هو الحل؟