لا أحد ينكر على الحكومة إعمالها لمبدأ القانون، وتنفيذه؛ فهذا واجبها ودورها الذي يجب أن تقوم به. ولا أحد يستطيع محاسبة السلطة التنفيذية على تنفيذ القوانين، وإعمال مبدأ فرض هيبة الدولة على كل شبر من أرض المملكة، وهي التي تريد أن تفرض ولايتها على كل نسمة هواء تمر في الأفق عبر فضاءات الإنترنت.
ولأننا استشعرنا بأن حكومتنا تريد تفعيل مبدأ القانون في كل مناحي الحياة ولا تريد القفز عنه، سواء كبر الأمر أو صغر؛ كما أظهرت جدية وقوة بأس وتحديا منقطع النظير في "حجب" المواقع الإلكترونية غير المرخصة، فإن أملنا أن تُظهر حكوماتنا الرشيدة الجدية عينها في التعامل مع كل حدث يحصل، هنا أو هناك، وتفرض ولاية القانون على الصغير والكبير، ولا تصم آذانها عن قضايا جوهرية، كما فعلت في أحداث جامعة الحسين في معان، وكما فعلت لاحقا في معالجة ما يحصل في محافظة معان، وما يحصل من عنف مجتمعي بازدياد في محافظات مختلفة، ومن تصاعد حدة الشكاوى من وجود "مافيا" لسرقة السيارات في المملكة، بدون أن تفعّل الحكومة واجبها وما يجب عليها القيام به.
لا أريد أن أتحدث عن "حجب" المواقع الإلكترونية، وتوسع نطاق هذا الحجب ليضم مدونات ومواقع غير إخبارية متخصصة، لا علاقة لها بالأخبار وتداولها؛ ولا أريد أن أطلب من الحكومة التغاضي عن تنفيذ القانون؛ ولا أريد أيضا أن أذكّر حكومتنا بأن الأردن المرتبط باتفاقية تتعلق بحرية الإنترنت في المملكة (وربما تكون خرقت هذه الاتفاقية بموجب هذا الحجب الذي حصل)؛ ولا أريد أن أدعو للانتباه إلى أن مؤشرنا بالنسبة لحرية الإعلام و"النت" سيرتفع باتجاه زيادة حصتنا كدولة سالبة للحريات الصحفية والإعلامية في العالم.
فحق الحكومة في تطبيق القانون ينسحب على كل مناحي الحياة في الدولة، ولا يقتصر على جهة معينة ولا على قانون معين، وإنما يشمل كل القوانين والأنظمة، سواء ما يتعلق منها بالإنترنت وحرية فتحه، أو ما يتعلق منها بالذخائر والأسلحة وعدم حيازتها، ومعاقبة كل من يقطع طريقا عامة.
ولأنني أؤمن بالدولة المدنية وبالمواطنة كركن أساس من أركان الدولة، وبسيادة القانون على الجميع بنفس المسطرة والميزان، فإن من واجبي وأنا أستمع للحكومة وهي تقول عندما "حجبت" مواقع ومدونات إنها تنفذ القانون ولا يحق لها التغاضي عنه وعدم تنفيذه، أن أطالب حكوماتنا الرشيدة بإعمال المبدأ عينه في تنفيذ كل القوانين، وتفعيل العقوبات على المتأخرين ضريبياً، واسترداد حقوق الدولة منهم، وتفعيل العقوبات الموجودة على الأشخاص المعتدين على أراضي الدولة، وكذلك تفعيل العقوبات على العابثين بالكهرباء والماء، ووقف السرقات التي تحصل في هاتين الشبكتين، والحكومة تعرف ذلك. وكذلك فرض هيبة الدولة على مناطق ساخنة، بتنا نشعر بخطورة ترك الأمور فيها بالشكل الحالي.
نعم، نريد أن تكون حكومتنا قوية لها القدرة على تنفيذ قوانينها في كافة مناطق المملكة، وفرض القانون ليس في سماء الإنترنت فقط، وإنما في الأرض والفضاء. ولهذا، نريد لحكومتنا خاصية السرعة، وعدم التردد في فرض سيادة الدولة، وعدم التغاضي عن الأحداث المهمة. فإغلاق جامعة الحسين في محافظة معان بوجه الطلبة لشهر تروٍ طال أمده، وغض النظر عن أحداث عنف قام بها أشخاص قطعوا خلالها الطرق وحرقوا المركبات، هو تأنٍ لا يبعث عن الحكمة، وإنما يشعرنا بعدم القدرة على المبادرة واتخاذ القرار.
ولأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فإن السؤال الذي يتبادر للذهن فورا، بناء على ما جرى من حجب طال مئات المواقع الإلكترونية: ألم يكن من الأفضل أن تُتخذ قرارات الحجب بقرار قضائي وليس بقرار إداري؟ وهل في ذلك إعمال لمبدأ دستوري، أم أن في الأمر شبهة دستورية؟
jihad.mansi@alghad.jo
"الغد"