تُعدّ الحكومة العدّة لاجتياز "اختبار الكهرباء" العسير تحت قبّة البرلمان وفي الشارع. إذ تشير التسريبات إلى أنّها ستعمد إلى تثبيت سعر الكهرباء لمن لا يتجاوز استهلاكهم الشهري 300 كيلو واط؛ أي ما يعادل وفق أرقامها 85 % من شريحة الاستهلاك المنزلي. والأغلب أن تؤجّل الحكومة تنفيذ هذا القرار إلى ما بعد شهر رمضان الكريم، وفي لحظة غياب البرلمان (بعد أن تكون أنهت النقاش مع اللجان النيابية). وذلك كلّه في محاولة للحدّ من أيّ تداعيات سياسية وأمنية سلبية لهذا القرار!
لكن ماذا لو حدث السيناريو الآخر؛ أي واجهت الحكومة احتجاجاً نيابياً، يقود إلى حجب الثقة عنها؟ وهو سيناريو تدّعي أوساط رئيس الوزراء أنّها لا تستبعده نهائياً، ربما من أجل ذلك يؤجّل الرئيس التعديل المتوقع والملحّ على حكومته إلى ما بعد رفع الكهرباء.
السؤال المهم، فيما لو سقط الرئيس: ما هو مشهد اليوم التالي؟
ثمّة اتجاه من السياسيين والمراقبين يرى أنّ اليوم التالي مثل اليوم (الأوّلاني!)؛ لا شيء يتغيّر ضمن معادلة التدوير التقليدية في النخب السياسية الأردنية. إذ سيأتي رئيس جديد، ويجري مناقشات مع النواب، فيما سيكون الرئيس عبدالله النسور قد "ضحّى بنفسه" بينما قرار رفع تعرفة الكهرباء قد مرّ، وأصبح أمراً واقعاً، وعبرت الموازنة هذا المنعطف خلال العام الحالي، إلى حين "الرفعة" القادمة من دعم الكهرباء في العام المقبل!
ربما على السطح السياسي يبدو هذا الرأي هو الدارج، وقد يكون المرجّح على المدى القصير. لكن ماذا عن المدى البعيد، وفي سياق الصورة العامة العميقة لعلاقة الدولة بالمواطنين ولمشروع الإصلاح الوطني؟!
الفرق بين حكومة النسور الحالية والحكومات السابقة، هو أنّ الحكومة الحالية جاءت على قاعدة الإصلاحات التي تمّت، من تعديلات دستورية ومحكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخاب وقانون انتخاب؛ أي أنّ هذه الحكومة هي "ثمرة" الإصلاحات التي تعهّدت بها الدولة، وسُوِّق النسور –على هذا الأساس- بوصفه خيار الأغلبية البرلمانية، ومرحلته بوصفها إنهاء لعهد الارتباك السياسي والتغيير المستمر في الحكومات.
ومن الممكن أن يتم إسقاط حكومة حازت على الأغلبية البرلمانية، إذا تفكّك الائتلاف النيابي الداعم لها، ما يؤدي إلى إعادة هيكلة التحالفات النيابية وتشكيل حكومة أخرى، كما يحدث في الحكومات الديمقراطية في العالم. إلاّ أنّ المشهد لدينا يختلف -جذرياً- عن ذلك. فالتكتلات النيابية هشّة وهلامية، والكتل النيابية لا تستند إلى برامج سياسية واضحة، بل كانت عاجزة عن التوافق على اسم رئيس وزراء بسهولة، فضلاً عن التوافق على أسماء الوزراء، ما يعني أنّ سقوط الحكومة الحالية سيدخلنا في دوّامةٍ جديدة مع النواب، ويعيد فتح شهيتهم على الحكومة، في الوقت الذي يرى فيه "مطبخ القرار" أنّ الظرف السياسي لم ينضج بعد لمفهوم الحكومة البرلمانية المعمول به في الدول المتقدّمة.
بيت القصيد أنّنا عدنا إلى حيث بدأنا؛ فـ"إسقاط" النسور، وتقديم رئيس وزراء جديد للمرحلة المقبلة، هو استئناف للمعادلة التقليدية، بأدواتها لكن بطريقة أكثر تعقيداً، مع وجود برلمان منحناه صلاحيات واسعة وكبيرة بدون أن يكون مؤهلاً لها. ما يثير علامة استفهام كبرى عن جدوى الإصلاحات التي تصرّ الدولة على أنّها كانت فاتحة لمرحلة جديدة، وإذا بنا نعود إلى الدورة ذاتها، ونقرأ من الكتاب نفسه!
في نهاية اليوم، الخشية أنّ أزمة الدولة تتجذّر، في ظل عواصف إقليمية عاتية، وغياب للتوافق الوطني؛ فالمعارضة التقليدية والجديدة بقيت في الشارع، والتيار المحافظ يلعب دور المعارضة، والبرلمان أصبح عبئاً على النظام نفسه وعلى مشروع الإصلاح السياسي في الآن نفسه!
m.aburumman@alghad.jo
الغد