ثلاث ملاحظات حول أزمة معان
باتر محمد وردم
05-06-2013 03:24 AM
الحديث عن الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية المركبة في معان ومحافظات الجنوب بشكل عام محفوف بالمخاطر، إذ ينبغي على المرء أن يتخذ الكثير من الاحتياطات ما بين محاولة توصيف المشكلة وتقديم حلول لها وفي نفس الوقت عدم الانزلاق بالإساءة إلى أي من مكونات المجتمع الأردني أو إثارة غضب لا داع له. ولكن في السياق الشمولي للأزمة لا بد من ذكر ثلاث ملاحظات اساسية بالحد الأقصى من الصراحة الممكنة.
الملاحظة الأولى متكررة في الكثير من الأمثلة في السنوات الثلاث الأخيرة وتتجسد في شعور المواطنين بأن رد فعل الحكومات واهتمامها وسرعتها بالتعامل مع مثل هذه الأحداث ليست بالحد المطلوب والمقنع. صحيح أن الاستجابة الأمنية تكون سريعة وفي معظم الأحيان محترفة وتساهم في التخفيف من حدة المواجهة بين بعض فئات المجتمع والدولة، ولكن الاستجابة السياسية بطيئة ومترددة بل أحيانا تبدو وكأنها غير موجودة وغير معنية. لا أعرف ما هي “خلية التفكير الاستراتيجي” التي تحكم كيفية استجابة الحكومات لهذه الأزمات المتكررة في عدة محافظات ولكن الوضع الطبيعي والذي يثير ارتياح وثقة الرأي العام هو الذي يتمثل في قيام الحكومة باستجابة سياسية سريعة جدا عن طريق حوار مفتوح بين والمجتمع المحلي وإزالة كافة مظاهر التوتر، ولكن هذا لا يحدث.
الملاحظة الثانية هي أنه لا مجال للتردد والانتقائية والتباطؤ في تنفيذ القانون. وجود مجموعات مسلحة وخارجة عن القانون هو أمر معتاد وطبيعي في عدة دول حتى الأكثر تقدما اجتماعيا وسياسيا ولكن في هذه الحالات تتصرف الدولة بحيادية واحترافية أمنية تجاه هذه المجموعات فلا تسمح بنموها ولا تعطيها مجالا للتمدد وتقوم بإيقاف كافة الممارسات المسيئة والتي تتجاوز حقوق المواطنين. لتحقيق ذلك هنالك معادلة في منتهى الأهمية تتمثل في الحزم والعدل في تطبيق القانون من قبل الدولة وتعاون المجتمع مع الدولة في عدم حماية المطلوبين أمنيا ومنحهم مواقع اختباء حصينة مدعومة بشبكة دعم اجتماعي للتواري عن عين العدالة. في نفس الوقت لا يجوز إطلاق صفات جماعية على اية منطقة أو مجموعة من الناس بأنها “تأوي المجرمين” أو أنها خارجة عن نطاق العدالة وتتجاوز القانون. انتشار النشاط غير المشروع في مناطق معينة ليس ارتباطا استثنائيا بها ولكن نتيجة لعوامل وظروف يجب معرفتها وإزالتها وليس تعميم تهم مسيئة بحق هذه الجماعات والفئات والمناطق.
الملاحظة الثالثة هي قيام بعض المحللين السياسيين والاقتصاديين بتقديم تفسيرات لانتشار النشاط غير المشروع، ربما تكون مبنية على تقديم تبرير معقول في سياق تاريخي-اقتصادي ولكنها تمثل ايضا إساءة غير مقصودة وتعميما غير سليم. الحديث عن “انسحاب الدولة من تقديم الخدمات الريعية” لبعض المحافظات نتيجة تغير السياسة الاقتصادية وبالتالي شعور مواطني هذه المحافظات بتخلي الحكومات عن هذه الخدمات وحدوث رد فعل بالتوجه نحو نشاطات غير شرعية كمصادر للدخل ربما يكون صحيحا في جزئيات معينة لكن ليس في المطلق. هذا التحليل يجب أن يقود إلى نظرية ان ولاء هذه المجتمعات للدولة كان مبنيا على العطايا والخدمات الريعية وبالتالي انتهى الولاء مع انتهاء الخدمات. هذا ليس صحيحا لأن ولاء هذه المناطق للدولة كان هو الاساس في تأسيسها وقد استمر نتيجة شعور بسيط ولكن قوي بالانتماء للدولة وفي المقابل كانت الدولة تقوم بدور الرعاية الاجتماعية المطلوبة في عدة عقود. العطايا كانت موجودة وتم تقديمها من قبل الدولة لقيادات معينة في كافة المدن والمناطق ولكن هذه “القيادات” لم تعد مؤثرة الآن مع نشوء جيل جديد من الشباب المرتبك وغير الملتزم بقياداته التقليدية ويحتاج إلى سياسة تنموية جديدة لا ترتبط بالعطايا والولاء الخطابي.
الرؤية التبسيطية لمعادلة الخدمات والولاء مسيئة للشعور الوطني لكافة سكان الجنوب وتعطي انطباها بأنه لو عادت سياسة الاسترضاء لبعض القيادات المحلية ستهدأ الأوضاع ولكن هذا ليس صحيحا من ناحية تنموية لأن التوقعات الآن أعلى بكثير من الخدمات التقليدية والمطلوب هو مشاركة سياسية وتنمية اجتماعية متكاملة ومنهج جديد تماما في التعامل مع كافة المطالب السياسية والتنموية في المحافظات.
batirw@yahoo.com
الدستور