يستعد الرئيس الأمريكي جورج بوش لزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية مطلع العام الجديد, لأول مرة خلال ولايته, وسط تأجج مشاعر الإحباط وخيبة الأمل بين حلفائه العرب حيال إمكانية حدوث اختراق على جبهة التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي بعد شهر من "فقاعة" أنابوليس للسلام التي أطلقت بنفخة أمريكية وغطاء عربي واسع. مع ذلك يظل توقيت الزيارة على جانب من الأهمية, بحسب مسؤولين أردنيين, بعد استضافة سيد البيت الأبيض مرتين الأولى في منتصف 2003 في شؤون تتعلق بإحياء المسار الفلسطيني المعطوب والثانية أواخر العام الماضي على أمل رقع المأزق العراقي الذي يقض مضاجع بوش منذ أربع سنوات.
إذ تظهر هذه الجولة التزاما شخصيا لدى الرئيس لجهة قيام حل على أساس دولتين كما تشكّل محكا لقياس الإرادة السياسية في واشنطن لفرض السلام الذي تحول إلى سراب بعد إطلاق مسيرة السلام في الشرق الأوسط قبل زهاء عقدين.
وينظر إلى زيارة بوش المقبلة على أنها تدشين لأولوياته الجديدة في محاولة إحداث اختراق دبلوماسي بين الطرفين قبل عام 2009 على أمل إنقاذ شرعيته التاريخية وتفادي تصنيفه الأسوأ بين أسلافه بعد تحييد الخيار العسكري ضد إيران وتوريث هذا الملف لخلفه.
مسؤول أردني فضل عدم ذكر اسمه يقول ان الاردن يريد من الإدارة الامريكية إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان اليوم قبل غدا. فاستمرار الاستيطان يشكل تحديا بل تفريغا لمؤتمر أنابوليس وتهديدا مستمرا لأمن المملكة القومي وعمقها الاستراتيجي واستقرارها المستقبلي.
كذلك تحض عمان بوش على العمل باتجاه إطلاق مفاوضات جدية ومتواصلة حول الملفات الجوهرية الستة ضمن جدول زمني حدّد أواخر العام المقبل سقفا لإنجاز دولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة قابلة للنمو وحائزة على رضى الشعب الفلسطيني.
المملكة تريد من بوش القيام بدوره في "الحكم" على تنفيذ الالتزامات الواردة في المرحلة الأولى من خارطة الطريق- المتضمنة بناء ثقة وضبط الوضع الأمني بالتبادلية- كذلك وضع جدول زمني للمراقبة وآلية لحل المشاكل عندما تطرأ.
أصحاب القرار هنا يعطون إدارة بوش "مهلة شهرين" بحدّها الاقصى منذ اليوم لإظهار مدى توافر الإرادة السياسية الحقيقية لحدوث اختراق تفاوضي وتحسين وضع الفلسطينيين الأمني-السياسي-الاقتصادي-الاجتماعي. ذلك سيساعد السلطة الفلسطينية على إبراز نموذج يتفوق على ما تقدمّه الحكومة المقالة في غزة وتساعد السلطة على بسط نفوذها مجددا بعد الانقلاب العسكري وإشراك حماس "مدجنة" في حكومة جديدة لا توفر للحركة اليد الطولى.
خلال الشهرين القادمين سيظهر أيضا فيما إذا كان بوش سيصغي إلى وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس وهي تعكس سياسات تيار المعتدلين الذين استبدلوا رهانات الضربات العسكرية لإيران والسياسة الانفرادية في الشرق الأوسط بنهج يستند إلى إطلاق عملية سلام أم انه سيعود إلى حضن المحافظين الجدد برئاسة نائبه ديك تشيني.
وهناك اتصالات سياسية ودبلوماسية شبه يومية وعلى اعلى المستويات بين عمان وواشنطن وتل أبيب ورام الله بهدف تقديم اقتراحات عملية لبوش قبيل بدء جولته لعلها توفر ناصية لاهدائه إلى أفضل السبل العملية لكبح جناح النشاط الاستيطاني وبدء محادثات جدية تمس قضايا الحل النهائي.
أحد المسؤولين المطلعين على الجهد الدبلوماسي الذي قاده الملك عبد الله الثاني منذ آب 2006 مع حلفائه في "رباعية الاعتدال العربي" - السعودية, مصر والأمارات- يقول إن جهد الملك تكلّل بعقد مؤتمر أنابوليس. ويريد الأردن البناء على هذه الذروة بعد أن أقنع إدارة بوش بضرورة إعطاء الأولوية لحل القضية الفلسطينية التي تظل أساس عدم الاستقرار في المنطقة.
"لقد لفتنا انتباه الإدارة لضرورة حل القضية ووصلنا معهم إلى نصف الطريق... الآن نريد محادثات لكي يتوصل الطرفان إلى اتفاق خلال الشهور القادمة ونريد دورا أمريكيا سياسيا قويا," يشرح المسؤول مضيفا:
"نريد من الأمريكيين اليوم أن يكونوا الحكم بينما نساعدهم من خلال توفير الغطاء العربي... لا نستطيع أن نضيع مزيدا من الوقت".
غالبية الاتصالات والزيارات تتم بدون الإعلان عنها أوعن تفاصيلها. الأردن معني بقطف ثمار وليس ببيع مواقف, بحسب مسؤول آخر.
يظل عامل الوقت سيفا قاطعا. وثمّة نوع من الحسرة لان بوش بدأ العمل على ملف السلام متأخرا. حتى أنابوليس الذي التأم أواخر الشهر الماضي كان من المفترض عقده نهاية آب.
الوقت يداهم الجميع
في الأسبوع الأول من شباط ستفرز الانتخابات التمهيدية مرشحا عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي في السباق صوب كرسي البيت الابيض. وستجعل السنة الانتخابية مهمة بوش أكثر صعوبة في إحراز الكثير قبل أن يغادر البيت الابيض, إذ أن المرشح الجمهوري سيتأثر بأي خطوات قد يقوم بها.في مجال الضغط على إسرائيل. هذا إن كان لديه نية أو لدى إدارته التي تصنف الأكثر التصاقا بالأجندة الصهيونية الإسرائيلية.
لكن هناك مراقبين وساسة يرون أن بإمكان بوش وضع الأسس أو احتواء الضرر في كثير من المسائل والتحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية, في حال عدم التوصل إلى اختراق في عملية السلام, أو في معالجة الملف النووي الإيراني.
المطلوب إذن, بحسب الأردن, خطوات سريعة على الأرض لأن مصداقية ما يسمى بدول الاعتدال العربي المتآكلة تقف اليوم على المحك أمام محور الممانعة والتشدد بقيادة إيران التي تمسك خيوطا في الملفات الملتهبة في المنطقة: العراق وفلسطين ولبنان.
تتطلب المرحلة الأولى من خارطة الطريق من السلطة الفلسطينية أن تكافح ما يسمى بالإرهاب الفلسطيني مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين, رفع الحصار, وقف الاستيطان بالتزامن مع فتح مفاوضات ثنائية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بما فيها الحدود, اللاجئون المستوطنات, القدس, تقاسم المياه, والعلاقات المستقبلية.
بالرغم من استمرار زخم النشاط الدبلوماسي الاردني مع الإدارة الامريكية فأن أصحاب القرار هنا يظهرون واقعية سياسية عالية وإصرارا على الحراك الدبلوماسي بوتيرة عالية للمضي قدما في مسار السلام وتطبيق المبادرة العربية بدلا من التوقف عند خارطة الطريق, بحسب ساسة ودبلوماسيين على اتصال بأصحاب القرار. لأن البديل مزيد من الفوضى والتشدد غربي وشرقي النهر.
يرجح هؤلاء أن تتواصل اللقاءت التفاوضية الإسرائيلية-الفلسطينية في الفترة المقبلة من دون تحقيق أي تقدم في القضايا السياسية لأن إسرائيل لا تريد سلاما إلا على مقاس شروطها. ولا يستبعدون تحقيق تقدم جزئي في القضايا الحياتية اليومية في محاولة لتجميل الصورة القبيحة القائمة. أما النشاط الاستيطاني فلن يتوقف. وسيستمر أحيانا تحت مسمى توسيع المستوطنات القائمة أو تنفيذ خطط أقرت سابقا لإقامة وحدات سكنية جديدة لاستيعاب النمو السكاني الطبيعي. إسرائيل لا تريد الحديث حول مستقبل القدس, وتصر على عدم الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى مناطق ما قبل .1948 وتصر أيضا على يهودية هوية الدولة. وتريد أن يكون غور الأردن الحدود النهائية بين الأردن وإسرائيل, مع أن المملكة تركت هذه القضايا معلقة لحين إنجاز اتفاق نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين.
بالرغم من التشاؤم الشعبي والنخبوي يبقى "صراع البقاء" عنوان الاستراتيجية الرسمية في إقليم أضحى سوقا لأحاديث المساومة والتوافق والتنازلات والمحاور والمناورات السياسية الفجائية بعد خسارة الولايات المتحدة مكانتها في المنطقة الملتهبة وفشل حربيها على العراق (ربيع 2001) وأفغانستان (خريف 2003) اللتين أخرجتا المارد الإيراني التوسعي من قمقمه.
عيون البعض ترصد إمكانيات لجوء الشركاء العرب إلى خيارات جديدة لمحاكاة اللامبالاة الاسرائيلية-الامريكية قد تطيح بمسيرة السلام لحماية ماء الوجه أمام شعوبها المحبطة من سياسات يرون فيها استسلاما لا سلاما.
ثمّة ترقب بأن مصر والسعودية تعملان لعقد مصالحة بين فتح وحماس أو اتفاقية "مكة 2" كل منهما لوحده ولحساباته الداخلية والخارجية الخاصة. مصر تستعد لاستقبال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس بعد أن زار السعودية مؤخرا. السعودية, بحسب دبلوماسيين عرب وغربيين, منزعجة من حجم الضغوط الامريكية والإسرائيلية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية. كما أنها متضايقة من التلكؤ الأمريكي الذي يخذل الحلفاء العرب. مصر تبقي على قدر من الاتصالات مع قيادة حماس وتغض الطرف عن تراخي القوات المصرية في منع تهريب الأسلحة لغزة مما يساعد على إبقاء التوتر عاليا ويصب في مصلحة إسرائيل. وهي تريد ان تكون عنوان الاتصال مع حماس. إسرائيل ما زالت غير معنية بلقاء الفلسطينيين في منتصف الطريق.
فشل اللقاء الأول منذ مؤتمر انابوليس بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت يوم الخميس في حل الأزمة التفاوضية الناجمة عن تواصل المشاريع الاستيطانية اليهودية في مدينة القدس الشرقية ومحيطها.
اولمرت رفض طلب عباس فرض تجميد الأنشطة الاستيطانية بالكامل. البيان الرسمي الذي صدر عن الاجتماع قال إن الطرفين "اتفقا على عدم القيام بأي خطوات من شأنها الإجحاف بقضايا الوضع النهائي مثل القدس واللاجئين والمياه والدولة والاستيطان والحدود".
الطرفان دأبا على استعمال مثل تلك الصيغ الغامضة عندما يفشلان في التوصل إلى اتفاق حول القضايا موضع الخلاف. وستستمر المعزوفة إياها لتبدأ إسرائيل لعبة السلام على المسار السوري.
في الأثناء يزداد وضع عباس صعوبة أمام شعبه وتضعف حكومته, قبل أن يخرج ولو على مضض كرت المصالحة مع حماس. عندها تغضب إسرائيل وتعلن إنهاء التفاوض مع عباس لأنه يتكلم مع "إرهابيين".
ويخلق واقع جديد يستفيد منه الجميع ما عدا الأردن الذي لن يهدأ باله قبل قيام دولة فلسطينية وقبل معالجة ملف اللاجئين - المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية طبقا لمعادلة تضمن حق العودة أو التعويض أو كليهما وتوفر مليارات الدولارات كتعويض لخزينة منهكة لقاء استضافة 1.8 مليون لاجىء منذ عام .1948