أعادت ورقة الملك النقاشية الرابعة الاعتبار لأدبيات الاصلاح السياسي , بعد ان تراخت مؤسسات الدولة عن تسريع وتيرة الاصلاح مكتفية بالحديث الاصلاحي دون انتاج الاصلاح نفسه , واستكانت مفاصل الدولة الى الارتداد الاقليمي على النشاط الاصلاحي الشعبي ودخول احزاب المعارضة حالة تموضع تكتيكي بانتظار مخرجات الاقليم بخاصة على المسار السوري وملف التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي , فكان حديث تلك المفاصل خاليا من الإجراءات ودون ادبيات سياسية تُنهي جدل الاختلاف على المصطلح وتوّحد المفاهيم , تمهيدا للاقلاع .
التمكين الديمقراطي الذي كان عنوان الورقة الملكية الرابعة كان السعي اليه واقعا عمليا صبيحة يوم نشر الورقة , حيث رعى الملك اطلاق مبادرة التمكين الديمقراطي , فثمة تعجيل ملكي للاصلاح وادواته , بعد تمهيد نظري لم تألفه الساحة السياسية المحلية التي تتحدث عن المصطلحات والمفاهيم بوصفها حالة متوافقا عليها اردنيا , لذا دأب الملك في ورقته على اعادة التذكير بالمفاهيم والإجراءات التي توصل الى مواطنة فاعلة كشق ثان للتمكين الديمقراطي او لازمة له , وفي النص دعوة للاتفاق والتوافق على المصطلح ومفهومه من خلال احترام قيمة الحوار واحترام مفهوم التوافق و الالتقاء في منتصف الطريق .
رابع اوراق الملك حملت مصطلحا جديدا او مفهوما حداثيا يجري الحديث عنه للمرة الأولى في الاردن , وهو مفهوم تداول الحكومات , فالسلطة مفهوم مستقر في الوجدان لكن العقل السياسي ومساراته لا تستقر , فسيرورة الانتاج السياسي مستمرة تحت مظلة سلطة الدستور والقانون , فالتعديلات الدستورية الأخيرة انهت جدل السلطة ومفهومها نسبيا , وجاءت المحكمة الدستورية لتعيد الصواب الى جموح عقل السلطة , وكانت الهيئة المستقلة للانتخاب كابحا لتدخل السلطة , بحسب الفقه السياسي , وبقيت الاجراءات الضامنة لكل ذلك , فجاء مصطلح تداول الحكومات ضمانة لحسن التنفيذ او ضامنا لأمانة الاجراءات ويُسرها .
التمكين حالة اولى او تأسيس نظري وتوفير ادوات لمفهوم اكثر عمقا , فالهوية ليست محاصرة في الاردن وليست سؤالا خلافيا بين الاردنيين , بل المواطنة هي نقطة النقاش الوطني ونقطة السخونة في المجتمع الاردني , فثمة احساس عميق بمواطنة مهمّشة او مواطنة درجة ثانية وثالثة , وفي هذا اعتداء على اماني الاردنيين وطموحاتهم في الترقّي والوصول الى الطموحات المشروعة دون التوريث والتزوير , ونخر في تفاعلهم التشاركي لصنع المستقبل وتكسير لثلاثية المواطنة الفاعلة التي اشار اليها الملك “ حق المشاركة وواجبها ومسؤوليتها الملتزمة بالسلمية “ .
الورقة انتصرت للرأي العام الشعبي الذي يسعى الى مواطنة متساوية كشرط للفاعلية , وكبحت او باغتت الساسة الكامنين خلف تابوهات وتكلّس سياسي يحافظ على سدانتهم للمعبد الوظيفي , بعد ان امتهنوا الوظيفة السياسية ولم يتفاعلوا مع السياسة ومتحركها وضرورة تزاوج الأعمار والأجيال داخل السلطة والتي تتطلب وجود ثلاثية الاجيال , وليس بعيدا ان الملك استخدم الثلاثيات في ورقته ليُعيد التذكير بضرورة ثلاثية الاجيال “ الخبرة والتنفيذ الراهن والمتدرب “ وهي ثلاثية غافلها السياسي الراهن من اجل حماية مصالحه ومكتسباته .
الورقة صدمت الواقع الرسمي العام بإعادة الاعتبار الى مفهوم الحراك الايجابي المثمر والبناء , بحسب الوصف الملكي , الذي استأنس الرسميون غيابه لتسويف المطالب الشعبية بدل سرعة تلبية طموحاتها وكأنها تعاقب الحالة الشعبية المتخوفة على وطنها من واقع الاقليم والتي تراجعت حركتها في ظل اشتعال الاقليم وتنازل المواطن في اقطار الربيع العربي عن سيادة الدولة لصالح الهويات القاتلة وضياع السيادة الوطنية , فتراجع المواطن عن مطالبه الاصلاحية لصالح الدولة وسيادتها , لذا خلت الورقة من التعرض للبعد الإقليمي لصالح التطوير الداخلي وعدم التأخير بحجج الاقليم .
التمكين من اجل المواطنة الفاعلة هو ملخص الورقة الرابعة او عنوانها العريض , وتحت العناوين العريضة اطلق الملك الخيال لرسم وتنفيذ صورة المستقبل بحسب القياسات والمواصفات الاردنية المتناغمة والخاضعة لشروط التمكين الوطني والمواطني التي تسود العالم الحر , فرعوية الدولة باتت ماضيا كونيا وليس اردنيا فحسب لصالح تمكين المواطن فهذه لغة العصر ومفرداته والمطلوب ادوات تشريعية ومجتمعية للوصول الى معنى ومضمون التمكين فلا يكفي نُبل الفكرة لإنفاذها بل تتطلب ادوات اصلاحية لتقوم بمهمة الاصلاح بدل الحديث عنه كما تفعل النخبة .
(الدستور)