الفدرالية العربية، ماذا تعني؟
د.حسام العتوم
02-06-2013 09:38 PM
أجزم القول بأن مشكلتنا الرئيسية في الأردن اليوم وغداً هي الاقتصاد وتحديداً الطاقة البترولية والكهربائية، ومع تزايد عدد السكان فإن الرسم البياني لها سيبقى في تصاعد، وعيون حكوماتنا ستواصل تحديث النظر تجاه جيب المواطن القابع وسط الطبقة الفقيرة والمتوسطة المتلاحمة مع إشراك مجلس الأمة في اتخاذ القرارات ليتوازن الحمل دون أن تتأثر أي حكومة تتشكل وتعمل، ولما كان الاقتصاد مرتبطاً في السياسة على الدوام والعكس هو الصحيح، فإن توسيع أفق السياسة فيه توسع أكيد في مساحات الاقتصاد، وهنا أنا لا أنظّر وإنما أتحدث ع ن واقع مرير نعيشه ليس في بلدنا ولكن في الوطن الأرحب، وأتساءل لماذا نعيش حالة اقتصادات وسياسات وإعلامات كعرب؟ ولماذا هي الأمم المتحدة تعترف بنا على شكل دويلات مستقلة وليس كدولة واحدة مقسمة داخلياً إلى أقطار؟ ولماذا هو مطلوب منا أردنياً أن نكون حماة للعرب على امتداد 600 كيلومتر مربع، وحاضنة لهم من جانب واحد رغم عدم اعتراضنا على ذلك بالطبع واعترافنا بما يصل من طرفهم من مساعدات ومنح؟ وسؤال آخر أطرحه بنفس الاتجاه وبتعجب مفاده أن الوطن العربي يطلق عليه الأجانب (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) أو (الشرق القريب) أو (العالم العربي)، ولم تعد مساحته الجغرافية من المحيط الأطلسي غرباً إلى بحر العرب والخليج العربي شرقاً عربية خاصة بسبب احتلال فلسطين والجولان ومزارع وتلال شبعا إسرائيليا، وضم لواء الإسكندرونة السوري لتركيا بعد قرار للمستعمر الفرنسي بذلك، وخضوع جزر الكناري وسبتة ومليلة وصخرة الحسيمة للاستعمار الأسباني، والجزر الإماراتية (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى للاحتلال الإيراني)، وما زاد الطين بلة كما نقول بلهجتنا الأردنية هو انقسام السودان إلى جنوب وشمال وارتداء الربيع العربي المعاصر لقناع سايكس بيكو والمؤامرة الكونية الكبرى وللحرب الباردة السرية بين الغرب والشرق ولمشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي، فما هي حقيقية اقتصادنا وسط العرب؟ وما هو الحل الناجع لأزماتنا المتكررة؟
لقد أصبح واضحاً للعيان بأن إمكاناتنا الخاصة بمصادر الطاقة تحت أرضنا محدودة، وفي المقابل لدينا أرقاماً تثبت العكس، (يعتبر الأردن ثالث أكبر مصدر للفوسفات في العالم مثلاً واقتصاده حر وتنافسي وسياسته المصرفية ناجحة وشهد نمواً في الاقتصاد بمعدل 10% عام 2007، وحسب المركز الدبلوماسي للدراسات الاقتصادية فإن النفط العربي يشكل 40% من احتياطي العالم، و20% من احتياطي الغاز العالمي، ولا زلنا نعتمد كعرب على المواد الهيدروكربونية لإنتاج الطاقة الكهربائية وعلى الرياح والطاقة الشمسية بينما العالم يتجه للطاقة النووية التي أصبحت آمنة بعشرة أضعاف ما كانت عليه في السنوات السابقة حسب أهم علماء العالم). والفائدة ستكون كبيرة حالة الترشيد الدائم للاستهلاك وتطويق واقتلاع الفساد الكبير ثم الصغير من جذوره والأمثلة كثيرة هنا، وحديث عن تكتلات اقتصادية في المنطقة، منها العربي والخليجي والشرق الأوسطي، والثلاثي (الأردن وفلسطين وإسرائيل)، بينما أكبر مشكلة تواجه اقتصادنا بعد الديمغرافية هي غياب الوحدة العربية ورفضنا لها رغم نداءات ثورتنا العربية المعاصر المتكررة، ورغم امتلاكنا كعرب حالياً لإمكانات اقتصادية عملاقة ولماكنة إعلام مماثلة تدعونا للوحدة أولاً إلا أن أسباباً كبيرة تعيق ذلك على رأسها اختلاف السياسات العربية وانسجامها مع الألوان الاستعمارية والاحتلالية ومع أطياف الاصطفاف الرمادي وراء الحرب الباردة التي تحولت إلى سرية بين الغرب والشرق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة عام 1991، وسيادة ثقافة (الأنا) القطرية، ولتحترق روما، ولحب جشع جمع المال الوفير الناجم عن توفر النفط والغاز واليورانيوم والذهب وغيره في بلاد عربية وشحها في غيرها، ولسيطرة الأنظمة العربية على ثروات العرب واختزالها في جيوب أعداد قليلة من أهل الساسة والاقتصاد في وقت هو فيه عدد سكان الوطن العربي متنامي وكذلك نسب الفقر والبطالة وشح وتلوث المياه والصتحر والصحراء، وفي وقت هو فيه دور الجامعة العربية الوحدوي في السياسة والاقتصاد شكلي ومتراجع، فما هو الحل الممكن رصده في الافق، ويمكن تحقيقه بواقعية ودون تردد؟
نتحدث اليوم عن الزيادة الطردية لعدد السكان عندنا في الأردن وفي وطننا العربي وفي المقابل عن الضغط السكاني الناجم عن الاهتزازات السياسية في قلب وطننا الكبير في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان تحديداً، ولا نأخذ بعين الاعتبار حجم الزيادة البشرية المتوقعة في ربع القرن القادم، والحلول هنا تكمن في فتح آفاق السياسة لإيجاد حل عادل للأزمة السورية ولمثيلتها العراقية وكذلك اللبنانية والفلسطينية التي شكلت أعقد هذه القضايا لاسباب دينية وتاريخية وسياسية متشابكة، وفي ضبط وبرمجة النسل بما ينسجم وتركيبة البنية التحتية لأردننا وللعرب، والاتجاه لتكليف الجامعة العربية مرحلياً وبالتدريج لبناء نظام عربي فدرالي متكامل ومتوازن وقانوني يحفظ سيادة كل دولة عربية وفق نظام الأمم المتحدة ويحصد للعرب اعترافاً مماثلاً بسيادة دولتهم العربية الكبيرة الواحدة، وتحريك نظام (الفيتو) في مجلس الأمن لطرد المحتل لأراضي العرب سواء أكان إسرائيلياً أو إيرانياً أو إسبانياً، ويتم اعتماد عاصمة واحدة ثابتة لكل العرب مثل القاهرة الأكثر سكاناً أو الإعلان عن عاصمة للعرب كل خمس سنوات مثلاً، وبنفس الطريقة إشهار اسم زعيم عربي سواء كان نظامه السياسي ملكي أو جمهوري لقيادة بلاد العرب لمدة زمنية محددة شريطة تداول الزعامة العربية لتشمل كل القادة العرب وحسب ترتيب الحروف الهجائية العربية، واعتماد نظام اقتصادي واحد وصندوق مالي واحد يوازن بين الدول الفقيرة والغنية ويسد الفجوات بينهما، وتوحيد السياسة بحيث تأخذ بعني الاعتبار مصالح العرب العليا وتوازن العلاقات مع دول الإقليم والعالم لتصب بنفس الاتجاه، وليتمن اعتماد سياسة عسكرية واحدة وبحث واحد مشترك عن السلام بعد إخلاء منطقتنا العربية ليس من أسلحة الدمار الشامل النووية الموجودة في إسرائيل وغيرها الخطيرة الكيماوية المتوفرة في بعض بلاد العرب، ولكن من الاحتلالات والاستعمارات المباشرة وغير المباشرة أولاًَ فاستقلال القرار العربي وعدم انحيازه للغرب أو للشرق مطلوب اليوم، وهو قرار قومي عالي الشأن، وتوحيد الدين الإسلامي ضرورة دينية حتمية وقدوتنا هم آل بيت الأطهار، وإحكام دمج الأديان السماوية خاصة الإسلامي والمسيحي عمل هام فيه خدمة بالغة الأهمية للبشرية كافة، وبناء علاقات دولية متوازنة للوطن العربي مع دول العالم لا تحمل أي تأثير سلبي على أي من أقطاره عمل سياسي حكيم، وما اسرده هنا لا يتعلق بقضايا الأردن الاقتصادية فقط ولكن بقضايا العرب المماثلة أيضاً، وكل قطر عربي قادر أن يقدم الكثير لجموع العرب ويأخذ منهم ما يخدمه.
وبهذه الطريقة سيحترمنا العالم ، وسوف يتحدث المواطن العربي بأنه عربي أولاً ثم ينتمي لقطر عروبي معين، وسوف يزداد العرب انفتاحاً اجتماعياً على بعضهم البعض وعلى العالم، وسوف نتمكن من أن نصدر للعالم كل ما هو مشترك وفق حضارتنا العربية الإسلامية المسيحية المشتركة، وعن هويتنا وثقافتنا وعن عاداتنا وتقاليدنا، وسوف نتجه لكي نأخذ من العالم المفيد فقط، والأجيال القادمة لا ترحم والزمن دوار، والتكنولوجيا متسابقة، والأقطاب والتحالفات متغيرة ولا مستقبل للقطب الأمريكي الواحد، وكما انهار الاتحاد السوفييتي لأسباب اقتصادية وسياسية وأخرى غامضة سينهار اتحاد أمريكا كما هو متوقع، والعلاقة الأمريكية الإسرائيلية المثلية ستصاب بأزمة ونكوص خاصة إذا ما امتلكت إيران قنبلتها النووية الأولى، وفي نهاية المطاف أمن العالم خط أحمر يعلو فوق كل الخطوط.