قل لي من صديقك .. أقل لك من أنت
جهاد المنسي
02-06-2013 06:48 PM
ابتداء، لا أحد ينكر على الشعب السوري حقه في الديمقراطية والحرية وحرية التعبير، وحقه في الوصول لدولة ديمقراطية مدنية حضارية، بعيدا عن القتل وعن أكل الأكباد، والتنكيل بالأعضاء والتمثيل بالجثث، وبعيدا أيضا عن خنق الحريات، وتكبيل الأفواه والأقلام، وحبس السلميين.
إن كنا متفقين على ذلك، فإن الوصول لذلك الحق الديمقراطي، وحرية التعبير، لا يتأتي من بوابة تكفيريين، ولا من بوابة دول لا تمتلك أدنى درجات الديمقراطية، وتكفر من يتحدث بالحرية باعتبارها "رجسا من عمل الشيطان".
فالديمقراطية بحاجة إلى أرضية حاضنة لها، وقوانين راعية لاستمرارها، وأشخاص يؤمنون بها قولا وفعلا، ولا يريدونها لمرة واحدة فقط، باعتبارها وسيلة لتحقيق غاياتهم وتطلعاتهم، ومن ثم ينقلبون عليها كما حدث في دول عدة، وصل من وصل فيها إلى السلطة بفعل الديمقراطية، وعندما جلس بات يرفض الديمقراطية، وينكل بمن يطالب بها.
وحتى تسود مفاهيم الديمقراطية، فلا بد من التأسيس لها بشكل صحيح، وخلق جو عام يرعاها ويحافظ عليها. فلا ديمقراطية بدون دولة مدنية، ولا دولة مدنية بدون قوانين تعزز حرية الرأي والفكر والمعتقد، وتحفظ حق الاختلاف في الرأي، وترفض اعتبار من يختلف معك في الرأي كافرا خارجا عن الملة، يستحق القتل والرجم والجلد والقتل، والتنكيل أحيانا.
أمام هذا المشهد، دعونا نسال أنفسنا سؤالا بسيطا، إجابته لا تكلفنا سوى التأمل لحظات: هل نحن في الوطن العربي، من أقصاه لأقصاه، أسسنا لمرحلة ديمقراطية بالشكل الصحيح؟ وهل أرسينا تقاليد للعدالة الاجتماعية والديمقراطية راسخة، نعتمد عليها إن اختلفنا، وتصبح مرجعية لنا؟
بصراحة، وأعرف أن البعض سيغضبه ذلك، ما يزال سوادنا تقوده العاطفة، ويحفزه الإعلام المسيس، وتُبنى وجهات نظره من خلال ما يراه في فضائيات إعلامية، استطاعت أن تدخل في مسامات جلودنا، وتؤثر على تفكيرنا.
وبصراحة أكثر، ما نزال متلقين لما يحصل بدون أن يكون لنا دور في التغيير الحقيقي؛ وما نزال نعاني من تناقض المواقف واختلاف الولاءات ووجهات النظر، بدون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن الحقيقة، والتفكير فيما يجري، ولمصلحة من؟ ومن يسيره؟ وهل صحيح أن من يشرف على ما يجري يريد للمنطقة ديمقراطية حقيقية، أم يريد تغيير مواقع وكفى؟ وهل هو يؤمن بالديمقراطية أصلا؟ وهل ينعم مواطنوه بخيراتها، ويتفيؤون واحات حرية التعبير؟
من واجبي أن أسأل: هل كانت فرنسا، وألمانيا، وأميركا، وبريطانيا، وتركيا، وإسرائيل، يوما صديقة لنا نحن معشر العرب، وهل كانت تريد خيرا لنا في يوم من الأيام؟!
لا شك أن لأولئك أدوات من أبناء جلدتنا زرعوهم بيننا، يريدون منا أن نكرر ما يريدون، ونردد ما يقولون؛ فهؤلاء أنفسهم عندما كان أسيادهم يرفضون "القاعدة"، شنوا حربا ضروسا عليها، وعندما فعل منتسبوها ما فعلوه في بغداد وعمان هاجمناها. ولكن نحن هاجمناها من منطلق فكري وحضاري وإنساني وديمقراطي ومدني، وهم هاجموها لأن أسيادهم أرادوا ذلك.
اليوم، انقلبت الصورة. فنحن ما نزال عند موقفنا ورؤيتنا تجاه "القاعدة"، وما فرخت من أذرع، وهم الآن يدافعون عنها، ويبكون على مصابها، ويهللون لما تقوم به في سورية والعراق، ويريدون منا أن نقتنع، نحن معشر العامة، أن ما يحصل أمر مذهبي وعقائدي وطائفي، ويحشدون إعلامهم لتمرير تلك الرؤى والأفكار. عجبا لكم، لهذه الدرجة تريدون منا أن نغيب عقولنا؟!
شخصيا، أؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية، وأدعو لحرية الشعوب، وما أزال عند يقيني وإيماني بضرورة ذلك. ولكن، ولأن الأمور خرجت عن حقيقتها، لا أريد أن يسيرني أشخاص بـ"الريموت كنترول"، ولا أريد أن أكون عبدا للمال الأسود؛ أبرر ما يفعل، وأزور الحقائق، وأفتت الأمة مذهبيا وطائفيا.
صدق من قال: "قل لي من صديقك.. أقل لك من أنت".
jihad.mansi@alghad.jo