الأمن نعمة الهيّة فلا تُحْرَموها
أ.د عمر الحضرمي
01-06-2013 06:49 AM
ما من قراءة مباشرة، أو متوارية، أو مستدركة لمفهوم الاستقرار في الدولة، إلاّ ونجد أن هناك إجماعاً على أن الأمن هو المستقر والجوهر، لأنه هو الذي يبعث على الطمأنينة وزوال هاجس الخوف، ويشيع الإحساس بالرضا والسعادة، الأمر الذي يعني أن «وجود» الدولة على خارطة الدنيا قد تحقق، وأن مقدرات المواطن قد أحيطت بالضمان. وبالتالي فإن فقدان الأمن، على أي مستوى من مستوياته يقود إلى الاضطراب وانتشار الخوف وزوال الإحساس بالأمان، وهذا يقود، بالضرورة، إلى الفوضى واستكبار طرف على طرف وغياب هيبة الدولة، وبالتالي سقوطها.
ولما أن كان الأمن من أهم مقتضيات الحياة للفرد وللجماعة، فقد أفردت له الشرائع السماوية حيّزاً واسعاً، وجعله الله عز وجل نعمة جليلة يَمُنّ بها على عباده، فقال جلت قدرته «وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ». وقال « لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» (صدق الله العظيم).
ومع تطور المجتمعات الإنسانية، والارتقاء بها نحو الطمأنينة والسلام، فقد راحت الدول، بشكل متفاوت، تضع السياسات وتنفذ البرامج التي تصون الأمن والسلم، ليس على المستوى الفردي ولكن حتى على مستوى الجماعات، فكانت هنا المنظمات الدولية، وكانت هناك مفاهيم الأمن الجماعي، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي، والأمن العسكري، والأمن الثقافي، والأمن الفكري، كل ذلك بسبب ما أدركته الدولة الحديثة من أهمية الأمن وضرورة صيانته.
ولكن، ومع كل هذا السعي، نرى أن هناك بعض الفئات في عدد من الدول تجهد في سبيل زعزعة الأمن في مجتمعاتها، طمعاً في مكتسبات فردية مشبوهة وملوّثة، لذلك فلا بد من استخدام القوّة المجتمعية للتصدي لهذه الآفة، التي مزّقت كثيراً من الدول، وأسقطت كثيراً من المؤسسات الرسمية، وبالتالي تسببت في الانهيار الكلي للمنظومات البشرية، وعادت بالمجتمعات إلى شريعة الغاب.
وهنا لا بد من التفاتة إلى ما نشهده هنا في بلدنا، إذ نلاحظ أن هناك خللاً ما يشوب مقتضيات الأمن، وبتنا نمزّق الأمن بين الناعم والخشن، في محاولة غير مأمونة النتائج. فالأمن هو الأمن، وهو ضمان عدم وقوع مكروه في الزمان الآتي. كما لا نعدم ملاحظة أن هناك بعض المظاهر المرفوضة والسلوكيات السلبية التي أخذت تتمركز في المجتمع الأردني، ومنها السرقات بأنواعها، والاحتيال، والعنف، وإشاعة الفوضى دون أن نجد رادعاً يوقف هذه الأحداث بشكل جذري، ودون أن نبحث عن الأسباب ونعمل على تجفيفها، وتدمير مخزوناتها، وذلك بإطلاق إرادة سياسية صادقة وجادّة.
الأمن ضرورة حياتية، ولما أن كان الأمر كذلك، فيغدو كل مواطن موكل بحماية ثغر من ثغور الوطن، وتغدو الأجهزة الأمنية مطالبة أكثر وأكثر بالعمل الجاد والمتابعة الحثيثة حتى يؤمننا الله من الخوف.