الطريق الى "جنيف 2" مازال وعراً و يبدو ان أمر تعبيده لم يصدر الى الآن.
غالباً ما تختفي مساحات التفائل عند الحديث عن ضرورة إيجاد حل سياسي سريع للأزمة في سوريا. لكن, يبقى من السهل استشعار مناخات التسويات في المنطقة و التي بدأت ابوابها بالانفتاح بحذر.
ضمن هذه المعادلات تظهر تحديات متعددة امام الكيانات السياسية في المنطقة, خصوصاً ان المنطقة دخلت في مخاضات التغيير و باتت بوابة الاحتمالات مفتوحة على سيناريوهات مختلفة, منها الفوضى أو الحرب الاقليمية المحدودة, و لكن الأخطر, قد يرتبط بقدرة الأنظمة على التعامل مع تبعات التسويات السياسية.
الأردن على سبيل المثال, قد يجد نفسه في مواجهة عنيفة مع التداعيات الاقليمية لهذه التسويات. فالأردن من مجموعة الدول التي انعكس انخراطها في القضايا الاقليمية على قدرتها على المحافظة على استقرار أوضاعها الداخلية, لا بل ان سياساتها بنيت على استثمار الوضع السياسي لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع الدول العظمى, ابتداءً ببريطانيا (حتى العام 1956) و من ثم الدخول تحت مظلة مشروع ايزنهاور الأمريكي.
من هنا, يمكن اعادة قراءة كثير من أحداث الماضي ضمن اطار المقاربات السياسية حتى يتسنى لنا الوقوف على ضبابية المشهد الاقليمي. أحداث ثمانينيات القرن الماضي ملفتة للانتباه, حيث تتضح من خلالها خطورة انعكاسات حالة فقدان الاوراق الاقليمية الفعالة على الواقع السياسي للدولة الأردنية. الأردن, امتلك في تلك المرحلة ورقتين مهمتين, الأولى ارتبطت بالضفة الغربية و الثانية ارتبطت بالحرب العراقية الايرانية. مع اندلاع الانتفاضة الأولى فقد الأردن اولى اوراقه في المنطقة لتتبعها خسارة الورقة الثانية فور توقف الحرب العراقية الايرانية في العام 1988. بعد اقل من 6 أشهر اندلعت "هبة نيسان" في ابريل من العام 1989, و التي جاءت بعد مرحلة طويلة من الاحتقان السياسي و تعمق في الازمة الاقتصادية. بالرغم ان الحل جاء عبر اعادة صياغة الواقع السياسي و انهاء الاحكام العرفية, لكن هدف النظام السياسي الى العودة للانخراط في المسائل الاقليمية كحرب الخليج الثانية و من ثم محادثات السلام وصولاً الى العراق 2003 و مخاض الحرب على الارهاب.
بالعودة الى اخر المستجدات الدولية و الإقليمية المرتبطة بتطورات الأزمة السورية, تظهر المنطقة و كأنها تستعد للدخول في مخاض التسويات الكبرى, لهذا فعلى الأردن أن يستعد لمواجهة هذه المرحلة غير العادية بأساليب غير تقليدية من أجل ضمان التواجد الأردني في مجمل الملفات. هذا الأمر قد يتطلب كثير من القراءات الاستباقية و حالة عالية من اللياقة الدبلوماسية, و لا بد من التركيز على ثلاث نقاط أساسية:
1- ضرورة ضمان الحضور الأردني في ملف التسوية السياسية في سوريا, و هذا قد يكون نتاج طبيعي لوجود دور أردني فعال تجاه الأزمة في سوريا و تطبيق سياسة الأبواب المفتوحة و الحفاظ على خطوط الاتصال مع الجميع دون استثناء من دول و وقوى سياسية في الداخل و الخارج السوري.
2- رصد تطورات مشهد اعادة احياء مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية, خصوصاً بعد مباركة واشنطن لتعديل مبادرة السلام العربية و تبلور مناخات جديدة في الاقليم كنتيجة طبيعية لهذا التعديل. لهذا عمان يجب أن تسعى لتكون محطة اساسية لكل اللاعبين الفلسطينيين على الساحة السياسية.
3- العمل على تجاوز اي سقطات في العلاقة مع العراق و بناء العلاقة على أسس استراتيجية راسخة. حيث ان التطورات الاقليمية القادمة قد تدفع بالعراق للظهور على انه العمق الاستراتيجي و المنفذ الوحيد للأردن. لهذا قد يكون ضمان عدم انزلاق غرب العراق في فخ الفوضى ضرورة اردنية.
الأردن يواجه اليوم تحديات سياسية حقيقية, تبدأ من واقع الاضطراب الاقليمي السائد و قد لا تنتهي بواقع الازمة الاقتصادية المعمقة. لكن يبقى التحدي الداخلي الأكبر متمثلاً بإدارة الشؤون الداخلية الأردنية. للأسف, فان مشاكل الداخل الأردني أصبحت قابلة للتعقيد سريعاً, و كأن سياسة ادارة المشهد الداخلي مؤخراً باتت تتميز بميزتين رئيسيتين: قدرة تحويل المشكلة الى معضلة (معان مثلاً), و غياب القدرة على ضبط ايقاع الساحة الداخلية و اقناع الأردنيين بالسياسات المنتهجة, الأمر الذي قد ينهي على قدرة التواصل او ضبط الداخل(لا قدر الله) مع استحقاق مواجهة اول التحديات القادمة.