في ورشة عمل ثريّة ومهمة عُقدت أمس في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، حول العلاقات العربية-الأوروبية في فترة الثورات الديمقراطية العربية، وتناولت التغيرات الكبيرة في المنطقة وتداعياتها وتأثيراتها المختلفة؛ اختبر خبراء أردنيون وغربيون وعرب الأسئلة الحيوية الراهنة في المنطقة، وطبيعة التحولات التي تشهدها. وهي تغيرات بنيوية تاريخية، وليست عابرة أو جزئية!أبرز التغيرات التي يحدِّدها البروفسور كرتيس رايان، تتمثّل في تعاظم دور الدول الإقليمية غير العربية في رسم ميزان القوى في المنطقة، وتحديداً إيران وإسرائيل وتركيا؛ وبروز أكبر لما يسمّى في أدبيات السياسة بـ"الفاعلين من غير الدول"، مثل حزب الله و"القاعدة" و"حماس" والحركات المختلفة والطوائف السياسية، مع تهشيم بنية الدولة العربية، وتراجع دور الدول المحورية في المنطقة، والتي لعبت دوراً تاريخياً معروفاً، مثل مصر وسورية والعراق، وبروز أدوار لدول أخرى، مثل السعودية وقطر وغيرهما.
ويخلص الخبراء إلى ترجيح حدوث تغيرات كبيرة في المنطقة، تعيد صياغة المعادلات الإقليمية، وتؤثّر بقوة على المعادلات الداخلية للدول. ما يعني أنّنا أمام "تسونامي" كبير، سيعصف بالتركيبة التقليدية التي بدأت تتشكّل بعد الحرب العالمية الأولى، وتُرجمت بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة، فيما نشهد اليوم ما أطلق عليه المفكّر الفلسطيني منير شفيق "سايكس بيكو 2" (قبل 21 عاماً تقريباً؛ في العام 1992، في كتابه "النظام الدولي الجديد وخيار المواجهة")، والذي تمّ تداوله مؤخّراً على خلفية المؤشّرات التي تبرز حول مزيد من التشظّي والتجزئة في المنطقة.
في هذا المخاض الإقليمي الاستراتيجي الكبير، ماذا عن الأردن؟هنا، يطرح الدكتور كامل أبو جابر، الدبلوماسي الأردني المعروف، سؤالاً مهمّاً حول موقع الأردن في هذه المتغيرات: لماذا نعتبر الأردن مختلفاً عن دول المنطقة الأخرى، ويبدو أكثر استقراراً من غيره؟ويجيب الدكتور أبو جابر على ذلك (في الورشة) بترجيحه أنّ "طبيعة النظام الأردني" ربما تكون هي مفتاح الإجابة عن هذا السؤال، لما تمكّن من اجتراحه خلال العقود الماضية من معادلات توازن داخلية وإقليمية ودولية منحته "طوق النجاة"، أو "بطاقة عبور" لهذه الأعاصير.
لكن علينا أن نسجّل هنا أنّ ذلك تمّ بصعوبة شديدة، وكان محفوفاً بالمخاطر!ربما ذلك يدفعنا إلى إعادة صوغ سؤال الدكتور أبو جابر بصورة أكثر استفزازاً للتفكير الوطني، وتحفيزاً للتعمّق في وضعنا ضمن ديناميكية التحولات الجديدة، عبر طرح سؤال: هل نحن مختلفون حقّاً عن الدول الأخرى، ما يعني أنّنا لن نكون عرضة للمخاطر التي تجتاح المنطقة، وسيبقى الأردن يتمتع بالاستقرار السياسي، بصورة عامة، مقارنةً بهذه الدول؟!ربما هذا يقودنا إلى أسئلة استراتيجية أخرى، أيضاً: ما هي العوامل التي تدعم سمة الاستقرار، وتجنّبنا (إلى الآن) الهزّات التي تتعرّض لها الدول العربية الشقيقة؟ هل يكمن ذلك، مثلاً، في عدم وجود النزعة الطائفية والعرقية والدينية في الأردن، أم في طبيعة النظام السياسي (كما يرجّح أبو جابر)، أم في الموقع الجيو-استراتيجي الذي يمنح الأردن أهمية استثنائية لدى الغرب وبعض الدول العربية، أم في التركيبة الداخلية.. الخ؟السؤال الأكثر أهمية الذي يتولّد من هذه المتوالية: ما هي الضمانات التي تحمي الأردن من الوقوع في فخ الأزمات الداخلية العاصفة وتجنّبه المخاطر الكبرى؛ هل هي شروط داخلية أم خارجية؟ مع وجود خيط رفيع فاصل بينهما في الحالة الأردنية، كما يجادل د. عبدالإله الخطيب في مساهمته الثريّة في الورشة. ما هو حجم تأثير القضية الفلسطينية والأزمة الاقتصادية الراهنة على الأردن؟
(الغد)