بلغ الاستياء بين النواب من آخر مشاجرة في مجلسهم مبلغه، وأخذوا يحثون لجنتهم القانونية على التسريع في إنجاز النظام الداخلي الجديد ومدونة السلوك، بوجود عقوبات رادعة يتم النص عليها.
والحقيقة أن اللجنة القانونية في المجلس اشتغلت بنشاط مؤخرا لإنجاز مشروع النظام الداخلي الذي يشدد عليه جلالة الملك أيضا في كل مناسبة. والمرجح أن يكون المشروع جاهزا في بحر الأسبوع المقبل، إلى جانب مدونة السلوك، وسوف يتضمن عقوبات رادعة، وأرجو أن لا يتردد المجلس أبدا في إقرارها.
ثمة من يشكك في جدوى الأنظمة والمدونات، قائلا إنها لا تخلق سلوكا قويما إن لم يكن النواب من تلقاء ذاتهم مؤهلين لذلك.
لكننا لا نستطيع انتظار أن يقدم لنا الشعب الأردني "على الفرازة" نوابا كلهم بمواصفات نموذجية. ولا نستطيع أن نرسل بعض النواب إلى مدرسة تأهيل سلوكي، وأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن الانصياع للنظام يبدأ بالعقوبات الرادعة، ثم يتحول إلى سلوك وثقافة سائدة. وينطبق هذا على النواب مثل بقية المواطنين.
ويمكن لرئيس المجلس أن يبح صوته وهو يشدد على حضور الجلسات العامة واجتماعات اللجان، لكن بندا واحدا في النظام الداخلي يجرم الغياب بدون عذر مقبول، ويفرض غرامات، سيفعل العجب في فرض الالتزام. وهذه ليست نقيصة أردنية؛ ففي مختلف برلمانات الدنيا يوجد مثل هذا.
الحقيقة هي أن أغلبية ساحقة من النواب لم تشترك، ولا تقبل أن تشترك أبدا، في أي شجارات. وحتى لو علا صوتهم في المناقشات، فإنهم لا يستخدمون الشتائم والإهانات الشخصية والتهديدات. وفي البرلمان الماضي، حين كان يجري الارتداد عن الإصلاح بقانون الصوت الواحد، أو بالتصويتات لسحب قضايا الفساد ومنع محاكمة الفاسدين، أو برفض طلبنا التحول إلى التصويت الإلكتروني لشكوكنا في العد اليدوي، كنّا نعلي الصوت ونصنع ضجيجا ونعترض مسار الجلسة بغضب شديد، وأحيانا نغادرها.
وهذا كله مشروع سياسيا لإرسال رسائل معينة للرأي العام، ولكل من يهمه الأمر. لكننا لم نكن نفتعل شجارا، أو نوجه إطلاقا أي إهانة أو اتهام شخصي، ناهيك عن استخدام الأيدي والأرجل، وما توفر من أدوات في عراك شخصي. سلوكنا ذاك لم يكن يؤذي صورة المجلس وسمعته، بل على العكس؛ كان يعبر عن الحيوية السياسية لمجلس النواب.
مع هذا النوع من الشغب، واستخدام السباب والشتائم البذيئة والعنف اللغوي والبدني، فإن المجلس كله يدفع الثمن من سمعته وصورته بصورة غير مقبولة.
فالأذى يمتد إلى فكرة الديمقراطية نفسها، وقد تم حل مجلسين نيابيين قبل موعدهما، فماذا يعني استمرار هذه الظاهرة واستفحالها، غير الإطاحة تماما بصورة النيابة وفكرتها؛ أي الإطاحة بالديمقراطية من الأساس!في الجوهر، ثمة خيط واحد يربط ظاهرة العنف النيابي والجامعي والمجتمعي. فقد يكون لكل حادثة عنف وشجار جماعي سياقها الخاص، وملابساتها الظرفية، لكن في الجوهر هناك عنوان واحد مشترك لهذا النوع من المشاجرات الجماعية في الجامعات، والمشاجرات العشائرية في المجتمعات المحلية، هو "التخلف".
فقد ارتد مجتمعنا إلى الوراء كثيرا حين جمع بعض أمراض التقدم؛ مثل الفردية والأنانية والمادّية والطمع، مع الأمراض القديمة؛ مثل العصبية العشائرية وتقديم الانتماءات الفرعية باعتبارها المظلة الحامية للحقوق، والبوابة لتحقيق المكتسبات، والوسيلة الفعالة للاستقواء.
(الغد)