لم تكن ظاهرة سرقة السيارات في الأردن التي زادت نسبتها مؤخرا، هي الظاهرة الوحيدة التي عانا منها المجتمع الأردني، فالاعتداء على كيبلات آبار المياه في الصحراء وكيبلات محطات الكهرباء ، هي جزء من هذه الظاهرة بل أشد خطورة، لأن السارق والمعتدي يدركان أنه بفعلتهما سوف يُحرم آلاف المواطنين من شربة الماء وآلاف المواطنين من الإضاءة ومصادر الطاقة ، وهذا ضرب من الوحشية التي يتخلى فيها المعتدي عن إنسانيته ومشاركته مجتمعه همومه، فكيف بالذي يسبب الهموم؟
اعتداء بعضهم على الأراضي وممتلكات الدولة وبشكل سافر هو ظاهرة لا بد من الحديث عنها ، والمعتدين على خطوط المياه الرئيسية جهارا نهارا وسرقة آلاف الأمتار لري حدائقهم على حساب شربة ماء المواطن أو أحقية ري المزروعات، فهي أيضا ضرب من الأنانية والبعد عن الإنسانية.
تهرّب الناس من دفع الضرائب، خاصة كبار رجال المال والاعمال هو أيضا جريمة بحق الوطن، مثلها مثل المعتدي على حرمة البيوت، وحقوق المواطنين والدولة، وهو تحد لمسيرة الدولة الأردنية .
حالات البلطجة التي اصبحنا نشاهدها ونسمع عنها في أحياء متعددة وفي مدن متعددة ظاهرة تتطلب جدية الأمن في التعامل معها ، والتصدي لها وإنهائها.
إغلاق الشوارع وحرق الإطارات وتكسير الإشارات الضوئية أو حرق بعض المؤسسات الحكومية هي أيضا ظاهرة لم نتعودها في مجتمعنا الأردني .
العنف الاجتماعي وتزايد سلوك العديد من العشائر الجديد بتحقيق ما يسمونه حقوقهم بأنفسهم من دون اكتراث للأمن أو للداخلية هو أيضا ظاهرة تستحق التوقف عندها .
العنف الجامعي ، وانتقال الصراعات العشائرية للحرم الجامعي واستخدام الأسلحة النارية في الخلافات المتعددة التي طالت معظم الجامعات وإزهاق الأرواح فيها وتحطيم ممتلكات الجامعة، ظاهرة يجب أن لا تهمل خاصة وأن تحول الفكرالمنفتح الراقي العلمي الذي يميز طلبة الجامعات بالحوار واحترام الرأي الآخر لفكر رجعي همجي لا يتماشى مع روح التسامح ولا الشهامة والكرامة والعفو الذي تغرسه العشائرية الأردنية بأبنائها، ظاهرة بشعة تركت عناوين صعبة في مسيرة التعليم الجامعي وسمعته محليا وعربيا .
استشراء الفساد في الوطن وتكشف الحالات المخزية يوما بعد يوم، وباسماء ومؤسسات وقضايا بمئات الملايين تربك المواطن وتحيّره وتتركه يسافر في تكهناته ويتحسر على مستقبل الوطن، وهو يرى أن وسائل وأدوات ونتائج مجابهة الفساد تتعارض مع المنطق والحق والعدل، وما يتطلع اليه الناس لمحاسبة من ارتكبوا جرائم بحق الوطن والمواطن، حيث تفاجأ الجميع خروج هؤلاء وكأنهم صفحات بيضاء ناصعة، في حين يفصل موظف ويسجن لمجرد خطأ مالي بدنانير لا تزيد على اصابع اليد أو لاختلاسه "باكيت سيرف من احد المستشفايات ".
السلطة المالية التي فرضت وجودها على سلوكنا ومعاييرنا وعلى نهجنا ، وباتت هي الأمر الناهي الميسر لمن تشاء والمعرقل لمن تشاء ، لها صَدر المنزل ، فكيف اذا ملكها غير الأردنيين وأصبح استغلالها لتحريك الأردنيين وتسييرهم؟ فانقلبت الموازين ، وتراجعت الهُوية والوطنية ، وأصبح عبدة الدولار هم الأسياد الذين تجدهم في البرلمان والحكومة وتجدهم على الدوام في واجهة الجاهة الوطنية ، فيضيق المواطن ذرعا على مثل هذا الاذلال الذي أوصلتنا إليه دولتنا وجعلتنا بأمس الحاجة لأن يمد المواطن يده لمن يخرجه من أزمة الفقر والجوع أو الثراء الفاحش لبعضهم.
ظواهر وظواهر أفرزها تأخر الدولة عن ممارسة صلاحياتها والقيام بمسؤولياتها وبالتالي المحافظة على هيبتها ، كان آباؤنا يدركون معنى الممتلكات العامة ويحافظون عليها ، يعاقبون المخطئ والخارج على قانون الله والمجتمع.
كان للدولة هيبة لم تصنعها كثرة القوانين وتعدد الانظمة، بل صنعتها الدولة في تطبيقها لهذه القوانين بجدية ومسؤولية، صنعتها أخلاقيات المجتمع والحرص على حق الدولة الذي هو حق الجميع . شتّان بين الماضي والحاضر، كيف كان المُبلِّغ او المُحضِر ذا هيبة ووقار، وكان المعلم والطبيب ذا مركز واحترام .
كنا نمضي الليالي نحرس لمبة الشارع، كنا حراسا على "شبر" المياه للحي ، "واغراض" المقاولين في الطرقات ، نعم هيهات هيهات . بين هيبة الدولة بجميع مكوناتها وتمييع الموقف الأمني من قضايا هيبة الدولة .
(العرب اليوم)