"العنف النيابي" .. ابحث عن السبب
جهاد المنسي
29-05-2013 04:54 PM
أضيف لمعضلة البطء التشريعي الذي يعاني منه مجلس النواب السابع عشر، معضلة جديدة هي "الشغب"، والتي باتت ظاهرة تحدث بين جلسة وأخرى، أبطالها معروفون للرأي العام والعامة، وللنواب أنفسهم.
المكتب الدائم لمجلس النواب يقر أن ظاهرة العنف البرلماني تتوسع وتؤثر على صورة المجلس، وحضوره التشريعي والرقابي عند الرأي العام. ولعل ما قاله رئيس المجلس، سعد هايل السرور، في خضم "الطوشة" الأخيرة الأحد الماضي، دليل على ذاك؛ فليس هناك أكثر من القول إن ما حصل "إساءة عميقة للمجلس".
الزميل زايد الدخيل، وفي معرض تعليقه على ارتفاع عدد المشاجرات النيابية، اقترح عليّ نقل اقتراح للنواب بتحديد جلسة، لا رقابية ولا تشريعية، تحت عنوان "فش غلك".
المشكلة ليست في أداء رئيس المجلس، ولا في طريقة تعامله مع القضايا الآنية، بل على العكس؛ فقد أثبت الرجل طول بال، وصبر وحنكة. والمشكلة أيضا ليست في الحكومة ووجود فريق نيابي عريض ضدها؛ فالمعارضة النيابية لو كانت بهذا الشكل العدمي والعنيف، لفظا وتجريحا وتقريعا، فإنها ستجلب أنصارا للحكومة وليس مناوئين لها. كما أن المشكلة ليس في سواد أعضاء المجلس الذين يرفضون، تصريحا وتلميحا، "العنف النيابي".
مشكلتنا الجوهرية في قانون الانتخاب الذي تم بموجبه فرز هذا المجلس والمجالس النيابية التي سبقته، ودفع نوابا بلا خبرة تشريعية أو رقابية إلى سدة الرقابة والتشريع، بدون أن يكلفوا خاطرهم قراءة النظام الداخلي لمجلسهم، أو تفحص مواد الدستور.
معضلتنا التي نعاني منها حاليا، وتؤثر على مؤسساتنا التشريعية التي نريد لها القوة والمنعة والتميز، تتمثل في قانون الانتخاب الحالي، الذي ساهم في تراجع حضور مجالس النواب السابقة والمجلس الحالي لدرجات متدنية، ونزع الثقة بين النائب والناخب.
إن بقي قانون الانتخاب بشكله الحالي، بدون تغييرات جوهرية مفصلية تؤطر لعمل سياسي وتشريعي ورقابي حقيقي، وتفتح المجال لقيام معارضة حقيقية تتحدث في صلب القضايا وتطرح حلولا واقعية، فإننا لن نخرج من أزمة "العنف النيابي" الذي باتت ظاهرة، وأصبحت بحاجة إلى جلسة مناقشة عامة للوقوف على أسبابها. ولعل المجلس يتجه إلى عقد مثل هذه الجلسة، ولكن بعيدا عن الرأي العام والإعلام؛ بمعنى أنها جلسة مغلقة خارج إطار القبة.
الحلول الترقيعية لا تفيد، والتوسع في عدد أعضاء المجالس النيابية بهذا الشكل الذي حصل خلال التعديلات السابقة التي طرأت على قانون الانتخاب، ساهمت في تراجع الحضور النيابي. فزيادة عدد أعضاء مجالس النواب لم تكن مدروسة، ولم يكن هدفها يوما توسيع قاعدة التمثيل وتعزيز الفكر الإصلاحي، بقدر ما كانت تهدف إلى إرضاء هذا اللواء أو ذاك، ما أدى إلى تفريق أبناء المحافظة الواحدة إلى شيع وقبائل وعائلات. فبدل أن تتوسع مطالب النواب لتشمل الوطن ككل من أقصاه لأقصاه، تقزمت هذه المطالب. إذ بعد أن كانت تتعلق بالمحافظات، أصبحت مطالب النواب مناطقية تخص لواء أو قضاء أو قرية أحيانا، وبات بعضهم (النواب) ينظر للحكومات ويقيس مدى رضاه عنها من منظار مدى تمثيل اللواء الذي يمثله في الحكومات، من حيث عدد الوزراء، أو عدد الوظائف التي حققها.
الأصل أن يجري التعامل مع الحكومات من منطلق سياساتها، ومدى استجابتها للإصلاحات، وقدرة فريقها على تنفيذ تلك السياسات بدون هدف شخصي هنا، وتلويح باستجواب هناك للحصول على وظيفة أو درجة عليا.
أخيرا، أتعلمون أن عدد النواب الذين أعلنوا نيتهم تحويل أسئلتهم إلى استجوابات تحت القبة بلغ ما يقرب من 30 نائبا؟! وهل تعلمون أيضا أن عدد الاستجوابات التي حولت وسجلت رسميا بالفعل عددها صفر؛ أيعقل هذا؟!
أعيدوا النظر في قانون الانتخاب، وأنهوا مسلسل الصوت الواحد، وأعيدوا النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية، وقلصوا عدد أعضاء مجلس النواب إلى 110 أو 120 على أكثر تقدير، فمن هنا يبدأ الإصلاح الحقيقي، وبما دون ذاك فإن معاناتنا مع العنف النيابي ستستمر، والخوف أن يتطور "العنف" إلى مطارح لا تحمد عقباها.
jihad.mansi@alghad.jo
"الغد"