رسائل ونصائح إلى الشباب (11)
د. معن ابو نوار
26-05-2013 10:16 PM
تختلف فعاليات الحياة إختلافا واسعا خارج الحرم المدرسي أو الجامعي ؛ فبينما نجد بعض الناس في المكتبات ؛ نجد آخرين في ملاعب الكرة؛ أو يسيرون في الشوارع ؛ أو نجد بعضهم يتسابقون بدراجاتهم النارية أو سيارتهم في الطرق أو الشوارع ؛ وهم يتعرضون أو يعرضون الأبرياء لخطر الموت ؛ وآخرين يدخنون بنهم ؛ أو يقيمون ولائم مغرية للسرطان في صدورهم؛ نجد بعضهم يعملون لكسب الرزق ؛ أو دفع رسوم الجامعات ؛ أو شراء الكتب. وبعد أوقات الدراسة داخل المدرسة أو الجامعه ؛ وبعد أوقات تنفيذ الحاجات اليومية الضرورية ؛ مثل النوم أو الإنتقال إلى العمل أو أماكن مختلفه ؛ وتناول الطعام وما شابه ذلك يبقى وقت كاف للدراسة الشخصيه ؛ فهل يستغلها الشاب ؟.
" وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ . " صدق الله العظيم.
في كل يوم نعيشه 24 ساعه ؛ منها ساعات الليل ؛ وساعات النهار ؛ ومهما كانت فعاليات الحياه اليوميه ؛ لا بد للإنسان من نوم 8 ساعات على الأقل نوما عميقا ؛ ليصحو الإنسان من نومه منتعشا نشيطا.وقد دلت غالبية الدراسات على أن الإنسان يبقى في أعلى درجات الإنتباه والوعي والإستعداد لإستيعاب الجديد من المعارف والمعلومات وبذل الجهد في الأربع ساعات التي تلي صحوته من النوم. وبعد ذلك تبدأ قدرته على التراخي تدريجيا حتى يبدأ بالملل أو التعب أو الإهمال بعد الساعة الثامنة من إستيقاظه؛ وخلال تلك الساعات الثمانيه من الوعي والإنتباه تكون الدراسة أكثر فعالية وتأثيرا.
بعد ثمانية ساعات من النوم ؛ وثمانية ساعات من الدراسه في المدرسة أو الجامعه؛ تبقى ثمانية ساعات حرة ؛ يقضيها الدارس في قضاء حاجياته وشئونه الأخرى؛ ومنها ما يستطيع تخصيصه للدراسه الشخصيه ؛ وكل دقيقة يستطيع توفيرها لهذه الغاية المفيده تعتبر مكسبا كبيرا وفائدة عظيمه له.
الدراسة المؤثرة النافعة تحتاج إلى إنتباه وتركيز وجهد ؛ وقد يستطيع الدارس أن يحافظ على انتباهه وتركيزه وبذل جهده لثمانية أو تسعة ساعات ؛ ونادرا ما يستطيع أكثر من ذلك. فإذا أخذت المدرسة أو الجامعه خمسة أو ستة ساعات يوميا ؛ تبقى للدارس ساعتين أو ثلاثة ساعات للدراسة الشخصيه ؛ وربما يزيد عدد الساعات في هذا المجال ساعة أو إثنتين في كل شأن ولكن لا يمكن زيادة الإنتباه والتركيز وبذل الجهد أكثر. ومهما كان الحال لا بد للدارس من ثلاث ساعات للدراسة الشخصية اليومية والتعلم الذاتي. وأي زيادة تضاف إليها مهما كانت تؤدي عادة إلى النجاح وإلى رفع الروح المعنويه للدارس. يمكن القول أن تسع ساعات من الدراسة داخل الحرم المدرسي أو الجامعي والدراسة الشخصيه تؤدي عادة إلى النجاح المنشود بسوية جيده ؛ وأي وقت يضيع في غير الدراسه خسارة كبيرة لا تعوض.
تحتاج الدراسة الشخصية إلى برنامج محكم دقيق مشابه في انتظامه إلى برنامج المدرسة أو الجامعه ؛ ويحتاج الدارس إلى التقيد به مثل تقيده ببرنامج المدرسة أو الجامعه تقيدا ذاتيا بهدف تكوين عادة الدراسة والشوق إليها والرغبة فيها والإهتمام بها. ولن يستطيع الدارس وضع برنامج دراسته إلا إذا عرف بوضوح وقناعة حاجته الحقيقية من الوقت للقيام بالفعاليات الأخرى الضرورية مقارنة بالوقت الذي يحتاجه للدراسه.
يكاد علماء النفس ؛ وخبراء ؛ التعليم يجمعون على أن مدة حصة دراسية مفيده يستغرق بين 40_45 دقيقه ؛ وأنه لا بد للدارس من استراحة لا تقل عن خمسة دقائق بين الحصة والأخرى لإستعادة نشاطه وشحذ انتباهه وتوجيه تركيزه. كما اتفقوا على الحاجة إلى استراحة مناسبة 10_15 دقيقه بعد ثلاثة حصص متواصله ؛ أو بعد ثلاثة ساعات دراسيه. الراحة القصيره بين حصص الدراسة ضرورية جدا. ويجب أن تستغل في استرخاء وتغيير نفسي وذهني بعيدا عن موضوع الدراسه؛ ودون بذل جهد عقلي أو بدني حتى ولو وجد الدارس نفسه في قمة حيويته ونشاطه الذهني أو العصبي عند انتهاء الحصة بعد (40_45) دقيقه. عليه أن يتوقف عن الدراسه كليا وأن يرتاح. وسيجد بعد استراحته القصيره أنه أقدر على الإنتباه الدقيق والتركيز القوي والجهد الكبير والإهتمام المشوق للمعرفه.
لا تقتصر الدراسة على التقيد ببرنامج المدرسة أو الجامعه أو برنامج الدراسة الشخصيه ؛ ولكن حتى في بقية ساعات اليوم ( وما عدا ساعات النوم التي لا غنى عنها ) يمكن للدارس أن يستغل ساعات الفراغ الكامل بين النشاطات والفعاليات الأخرى لدعم الدراسه وتعزيزها ؛ وأفضل أسلوب لإستغلال ذلك الفراغ هو في استخدام دفتر الجيب ؛ وتدوين ملاحظات معينة تحتاج إلى حفظ كامل في الذاكرة؛ مثل أبيات الشعر ؛ والأقوال المأثوره ؛ والمعادلات؛ والتواريخ ؛ وأسباب الأحداث التاريخية موجزة ؛ وغير ذلك من المعلومات التي لا بد من حفظها في الذاكره لتأييد وتعزيز ودعم الدراسه.وأفضل طريقة هي أن يستغل الدارس فترة إنتقاله في" باص" من البيت إلى المدرسة أو الجامعه أو فترة انتظار دوره في موقف ؛ أو الإستراحة بين الشوطين في مباراة كرة القدم أو ما شابه ؛ فيخرج دفتر الجيب ويكرر قراءة وحفظ ما يختاره للحفظ منه.
على الشاب أن ينظم أوقات يومه حسب برنامج محدد ؛ وأن يلتزم ببرنامجه بدقة ؛ وأن يدرس بعنايه وانتباه وتركيزواهتمام وأكبر جهد ممكن خلال أوقات الدراسه ؛ وأن يستخدم أوقات الراحة للراحه (وليس للكسل) وأن يحافظ على دفتر الجيب واستخدامه مهما إستطاع في أوقات الفراغ. وأن يتذكر دائما أن عدم التقيد ببرنامج دراسته أسوأ من عدم وجود برنامج ؛ وأن خسارة دقيقة من عمره لا يمكن أن تعوض ؛ ولا تقدر بثمن.
وقد ورد التسبيح في قوله تعالى في أواخر سورة آل عمران:
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. " صدق الله العظيم.