على ألسنة شريحة واسعة من الناس العاديين غير المتخصصين في قضايا الاعلام وحرية التعبير والضمانات والقيود الواردة عليها امكن في جلسة استخلاص عدد من القضايا السلبية التي يراها الناس في دور بعض وسائل الاعلام لدينا خصوصا المرئية والمسموعة سواء كانت بقصد او غير قصد ومنها :
-ان بعضها يقدم رسالة تحريضية وبعضها اصبح متخصصا بصناعة الكراهية وبعضها الاخر مسؤولاً بشكل او اخر عن زعزعة الثقة بالمؤسسات وبعضها متخصصاً بتلميع افراد على حساب المؤسسات وبعضها مسؤولاً عن تشويه وعي المجتمع.
- برامج ومقدمون في حالة انفلات اسهموا في رفع حالة النزق والاستفزاز في الشارع وأسهموا بشكل او بآخر في تصعيد حالة العنف.
-غياب المعلومات الدقيقة عن المحتوى وغياب العمل الاستقصائي بشكل عام وتسطيح دور وسائل الاعلام وتحويلها الى منابر اقرب لان تكون موجهة.
- اهداف وارتباطات غريبة وراء بعض البرامج ولاعبين جدد غير مؤهلين.
كل ما سبق يكفي لان يضعنا امام حالة من الفوضى الاعلامية الهدامة وحالة من الانفلات في التمتع بحق حرية التعبير الكفيلين بتهديد الامن القومي لأي دولة، ان لم تكن هناك مبادرة لإعادة ضبط الامور دون المساس بجوهر الحق ذاته، فالمواثيق والقوانين الدولية المتعلقة بحرية التعبير وضعت قيودا كما وضعت ضمانات على ممارسة هذا الحق.
وفي باب الضمانات والقيود الناظمة لهذا الحق فقد نصت المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في البند الثاني على أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير وحرية البحث والتلقي ونشر المعلومات والأفكار بكل أنواعها، بغض النظر عن الحدود، سواء كانت شفوية، مكتوبة أو مطبوعة، أو من خلال الأعمال الفنية أو من خلال أية وسيلة أخرى يختارها. بينما اجاز البند الثالث من نفس المادة اخضاع ما ورد في البند الثاني لبعض القيود، شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية من أجل احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة والآداب العامة.
أما المادة (20) من العهد الدولي، فقد نصت على أنه تحظر بالقانون أي دعاية للحرب وأية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية وما من شأنه أن يشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
وتنص المادة (4) من الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري التي اعتمدتها الجمعية العامة على ما يلي: تشجب الدول الأطراف جميع انواع الدعاية والتنظيمات القائمة على النظريات أو الأفكار القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثني واحد، أو التي تحاول تعزيز أو تبرير أي شكل من أشكال التمييز والكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض من هذا التمييز وكل عمل من أعماله...الخ.
كما اكد المبدأ (6) من مبادئ جوهانسبرغ حول الأمن القومي وحرية والتعبير والوصول إلى المعلومات، التي تم اقرارها في عام 1995، أن حدود القيود على حرية التعبير على أسس الأمن القومي، تكمن في عدم جواز معاقبة التعبير كتهديد للأمن القومي، إلا إذا استطاعت الحكومة أن تثبت أن ذلك التعبير يرمي إلى:
-إثارة العنف الوشيك.
-من المحتمل أن يثير مثل هذا العنف
-ان هنالك علاقة مباشرة بين التعبير واحتمال وقوع مثل هذا العنف.
إن جوهر كل هذه النصوص وغيرها هو أن العبارات التي ترمي إلى إثارة العنف أو التي من المحتمل أن تفعل ذلك ، يمكن تقييدها، وينبغي عدم تقييد أشكال أخرى للتعبير، وخاصة التعبير ذا الطبيعة السياسية، فالتوسع في فرض واستخدام المواد المقيدة ذريعة لتقييد هذا الحق، سيشير بوضوح إلى أن البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بنية غير ديمقراطية.
باختصار في ظل هذا الانفلات في التعبير سواء على مستوى وسائل الاعلام او على مستوى الأشخاص وفي ظل قصور القوانين عن مواكبة المواثيق الدولية او القصور في تطبيقها سيجعلنا امام حالة فوضى هدامة، وفي الدول الغربية التي تطبق القوانين لو حدث جزء من هذه التجاوزات لأصبحت سجونها اقرب الى مدن اعلامية.
"الرأي"