الأحكام التي تصدرها وكالات التصنيف الدولية على اقتصاديات البلدان المختلفة تشبه الأحكام القضائية ، أي أنها غير قابلة للنقاش. وعلى هذا الأساس فإن تخفيض التصنيف الائتماني للأردن طويل الاجل يعتبر جرس إنذار ثان وثالث يدعو لسرعة التحرك لعلاج الأوضاع المالية والاقتصادية والامنية ، ونبذ المزايدات الشعبية التي تعيق الحركة.
لم تغير ستاندرد اند بورز تصنيف الأردن بالمقاييس الأخرى بما في ذلك الائتمان قصير الأجل ، ولم تخفِ أن دافعها الأول للتخفيض ليس ما حدث بل ما يمكن أن يحدث إذا تفاقم الوضع في سوريا وكانت له تداعيات وذيول في الأردن ، وهذا خطر حقيقي ماثل أمام أنظار الجميع ، يجب أن نكون على أتم الاستعداد لمواجهته.
إلى جانب ذلك أخذت وكالة التصنيف بالاعتبار عوامل عديدة تقع كلها في الجانب السلبي وفي المقدمة: عجز الموازنة العامة ، وارتفاع المديونية ، والتردد في إجراء الإصلاحات الاقتصادية. كما أشارت الوكالة لأول مرة إلى موضوع العنف الاجتماعي باعتبار انه أصبح عاملاً منفراً للمستثمرين ، تمامأً مثل الإضرابات والاعتصامات التي يقوم بها الموظفون وتثير مخاوف المستثمرين.
إلى جانب ذلك ، هناك عوامل إيجابيـة لا يجوز تجاهلها في هذا المجال ، فالأردن يطبق برنامجأً للإصلاح الاقتصادي يقره صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، والاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي قفز إلى مستويات عالية ، ومعظم مديونية الأردن داخلية ومحررة بالدينار ، وهناك ارتفاعات محسوسة في حوالات المغتربين ومقبوضات السياحة ، ونتائج جيـدة للشركات الأردنية ، ونظام مصرفي قوي ، واستقرار في سعر صرف الدينار ، كما أن الدول المانحة استأنفت دعمها المالي للخزينة.
تخفيض التصنيف قد يؤثر على سعر الفائدة في حالة الاقتراض الخارجي ، لكن مثل هذا الاقتراض لن يحصل إلا في ظل كفالة أميركية تؤمن أفضل الشروط وأقل الفوائد ، وتأتي الكفالة الأميركية لاعتبارات سياسية لا تتأثر بالتصنيف الائتماني للأردن.
الأردن بلد جاذب للاستثمار والمستثمرون بطبيعتهم شديدوا الحساسية للمخاطر ، ولذا فإن المبالغة في التركيز على السلبيات لا تخدم مصلحة البلد ، وإذا كان ممكناً فإن من المفيد أن نطمئن المستثمر ونحذر المسؤول ، علمأً بأن طمأنة المستثمرين ليست مهمة حكومية فقط ، بل لسلوك المجتمع دور مهم في ذلك ، يجب أن يعيه ويراعيه الجميع ، فالوطن ليس غنيمة يهبش منها الطامعون تحت اسم الاعتصام الذي أصبح شكلاً من أشكال الاعتداء على المجتمع والوطن.
(الرأي)