عيد الاستقلال و يوم الجيش فرحة و تبعة .. أمين بنيه المحيسن*
mohammad
26-05-2013 01:09 AM
1. شدّني هذا العنوان لأفصح عن فهمي له عساني أجد من يصحح فهمي ويرد شاردة فكري الي صوابٍ جانبني، أو أجد مؤيداً يشاركني الرأي في ما أذهب اليه من طرحٍ لأعطاء هذه المناسبة حقها.
2. تحتفل الشعوب (كل الشعوب ) بهاتين المناسبتين و يعبّر عن السرور بهما بأشكال مختلفة منها المهرجانات ,الاستعراضات العسكرية ,كلمات و مقالات لأصحاب الفكر و القرار وسرد لأنجازات مختلفة ,و تنتهي هذه النشاطات بفترة تطول أو تقصر ولكنها تنتهي .و هذه المناسبات تدخل السرور الى قلب المواطن و تحيي في نفسه املا بمستقبله .ولكن ما يغيب عن هذه الاحتفالات هو معرفة كل فرد منا مسؤليته تجاه المحافظة على هذا الانجاز العظيم (الاستقلال و عيد الجيش ), و أرى أن الركيزة الوحيدة لصون هذا الانجاز هو الأمن بشقيه الداخلي و الخارجي .أما الداخلي فهو حاصل من خلال مواطن واعٍ و وحدة وطنية تلتف حول قيادتها ,ومؤسسات أمنية كفؤة تسهر على أمن المواطن وهذا الشق من الأمن (الداخلي ) هو الميزة الواضحة التي تجعل من وطننا ملجاْ لكل من أرعبه صوط السلطان او أجلاه شريك جائر الى حيث الأمان فوجد في الاردن ضالته المنشودة . أما الشق الثاني من الأمن فهو الأمن الخارجي الذي قد يودي ضعفه الى ضياع الوطن كاملا.
3. اعتدنا في الاردن أن نسند مهمة الامن الخارجي كاملا الى القوات المسلحة الباسلة و هي تقوم به بشرف و اقتدار مستندة الى كفاءة تدربية قل مثيلها في المنطقة و لا أبالغ اذا قلت أن الخطط التدربية التى تنفذها على مدار العام تعد من أكثف التدريبات التي ينفذها جيش محترف لبلد بحجم الاردن , ولو كان أكثر امكانات اقتصادية .
و قد شهد بكفاءة الجيش التدريبية القاصي و الداني كما يظهر في صفحات المجلات المعنيّة في تقيم أداء وقدرات الجيوش في منطقة الشرق الأوسط التي استنتجت ان الجيش الاردني يأتي بالمرتبة الثالثة بين جيوش المنطقة بعد الجيش الاسرائلي و التركي , ولعلي أزعم أن ما جعل الجيش الاردني يحتل المرتبة الثالثة هو اضافة عنصر التسليح الى عوامل التقيم التي اعتمدت في تلك الدراسة ولو اقتصر التقيم على عامل التدريب لتبوأ الجيش الاردني المرتبة الأولى بين الجيوش، ولا أراني مبالغ بذلك و قد خبرت بنفسي تلك المستويات العالية من التدريبات على مختلف الفعاليات و التي تستغرق كامل أوقات القادة و القطاعات في كل الظروف , و كان لي شرف إدارة التدريب العسكري لفترة ليست بالقصيرة خلال عقد الثمانينيات و أوائل التسعينيات من القرن المنصرم .
4.ان ثقتنا بجيشنا الباسل و تأكدنا من قدراته السالفة الذكر يجب أن لا يدفعنا الى التخلي عن مسؤليتنا لنكون ظهير له بجد و اقتدار فقد اخبرنا التاريخ و أرانا الواقع ان الجيوش تنتصرو تنهزم أمام بعضها ولكنها تنهزم ولا تنتصر امام المقاومات الشعبية و قد لا تخلو حقبة تاريخية ولا حتى عقد من الزمان إلا و يمر خلاله مشهد يثبت ذلك ولدينا بعض الامثلة من القرن الماضي و الحالي ما يقنع بتلك الحقيقة , فقد عجز الجيش الألماني و اندحر أمام صمود المقاومة الشعبية بعد ثلاث سنوات من حصار ستالينجراد في الحرب العالمية الثانية و اندحر الجيش الروسي أمام مقاومة الأفغان في ثمانينيات القرن الماضي وهزم الجيش الأمريكي أمام المقاومة في فيتنام و كاد ينهزم أمام المقاومة العراقية في عام 2006 لولا الخيانة السماة بالصحوة و اندحر الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في 2006 و غزة في 2009 ,وفي مجمل القول لا أختزن في ذاكرتي جيش استطاع أن يتغلب على مقاومة شعبية مخلصة لوطنها و جاهزة للدفاع عن وجودها .كما أن جيش ما لا يستطيع أن يستمر بالقتال مدافع عن أرضه الى الأبد فقد تهزم الجيوش او تندحر في معركة او حملة من عدة معارك كما حصل مع الجيش العراقي في عام 2003 لأن دفاع الجيوش لمدد طويلة مكلف للغاية في الأرواح و المعنويات و المعدات و الإقتصاد و خاصة في بلدان لا تصنع السلاح و لا تمتلك عناصر الصمود من عتاد و عدّة , فتلجأ الى نوع اخر من الدفاع حيث تجهز الأمة كاملةً للدفاع اللامحدود عن حياضها . و هذا النهج مطبّق في معظم دول العالم ففي الولايات المتحدة الأمريكية تُنظّم طاقتها لتكون جاهزه للدفاع عن الوطن من خلال الجيش الشعبي , ويستطيع الكيان الصهيوني أن يضع الشعب بكامله في خدمة الدفاع خلال 72 ساعة .
و كنت أظن أن سويسرا البلد المحايد خالية من الجيش و ظننتها أمة مسالمة تصنع السلاح ولا تحتاجه حتى أُعلمت من الرائد (مارتن ستوكي) الذي شاركني دورة في الولايات المتحدة أن لدى سويسرا قيادة هيكلية ل 12 فرقة تتولى إدارة الدفاع عن الوطن من خلال استيعاب كل من هو في سن القدرة على القتال و عند سؤالي له :هل لكم عدو؟, أجابني : لا ولكن لنحمي حيادنا ....هذا تخطيط من لا عدو له فكيف بمن له عدو طامع في أرضه ...!!.
5.لقد استرجعت من ذاكرتي مشاهد البطولة التي سطرها أبطال فرقة المشاة الأولى الأردنية في معركة الكرامة و التي استطاعت دحر العدو و رده خائبا مذلولا في يوم فخر بائن اورثني نشوة نصر رافقتني على امتداد حياتي العسكرية , ومع هذا الفخر فأني استذكرت ان تحقيقه تطلب ادخال جميع عناصر الفرقة في المعركة بما فيها الإحتياط .ومن خلال لعبة الحرب التي اجريناها في كلية الحرب الملكية و في الدورة الأولى (عامي 86و 87 من القرن الماضي) و التي كان هدفها تصور سيناريو احتلال عمان من قبل العدو من الإتجاه الغربي , اذ أظهرت الدراسة المعمّقة لأمكانات العدو و طبيعة الأرض و السكان اأن ما نُفذ في معركة الكرامة من قبل العدو ما هو الا المرحلة الأولى من ثلاث مراحل في سيناريو احتلال عمان, وهذه المرحلة تطلبت استخدام جميع قواتنا على واجهة الفرقة ولم يبقى في الاحتياط غير سريتي مشاة آلية ....و هنا تبدأ الحقيقة المرعبة في افتراض أن العدو دفع في المرحلة الثانية من هجومه بفرقة مدرّعة و حسب السيناريو المفترض في لعبة الحرب فمن سيلاقيه حتى عمان...؟؟؟ و هذا السؤال هو نقطة الإثارة التي اردت أن أثير من خلالها اهتمام من ينوي حماية عمان و الحفاظ على استقلال الاردن .
6. إن الناظر الحكيم في حوال مجتمعنا و على جميع المستويات الرسمي منها و الشعبي ليدمي قلبه هول الترهل الذي نعيشه في كل زاوية من حياتنا، ترهل أخلاقي ، ترهل شبابي، ترهل وظيفي ، و غياب لجميع القيم ، و استبدلت القيم بمصالح ضيقة تتضارب في محيط وطننا الغائب عن مكانه بين الصراعات . . . و لا أرى من سبب لغياب وطننا عن ضمائرنا و بقائه في أعيننا إلا تلك الثقافة المغلوطة التي أقنعتنا بأن لا وجود لعدو لنا يطمع في أرضنا ، و لعل الفكرة الزائفة التي أدخلت الى صميم قناعاتنا بأن السلام سيجنّب وطننا كل خطر وراء ذلك الوهن فإنكفأنا الى الداخل لنتمترس خلف مصالحنا القميئة نجهد في تحقيقها بكل وسيلة و غاب الوطن . . . . و ما الحل الا بعودة الحبيب الغائب ليكون محور الحديث و حجر الزاوية في كل نقاش حول كيف نحمي وطننا من كل تهديد ؟؟؟، و أردت في مشاركتي هذه في تلك المناسبات السعيدة التي نعيشها الآن(الإستقلال ، عيد الجلوس ، تعريب الجيش، الثورة العربية) أن ألفت الإنتباه الى خطورة ما نعيش فيما يخص أمن وطننا و التقطت ذاكرتي مجريات تمرين أجرته القيادة العامة في عقد السبعينيات سمّي الأمة في الحرب اشتركت فيه جميع مفاصل الدولة من وزارات و مؤسسات و بلديات ،.....، و في نهاية التمرين و من خلال مناقشته برزت دروس قيمة كانت تصلح لبناء استراتيجية دفاعية عزّ مثيلها و كانت المعاضل التي وُضعت تغطي و تواجه و تضع حل لكل احتمالٍ يهدد الوطن بكامل مكوناته ووزعت تلك المعاضل لتدخل مؤسسات الدولة كل ضمن اختصاصه لتساهم في الدفاع عن الوطن و أذكر من تلك المعاضل ما يلي :
أ. تعرُّض بعض المدن الى سقوط قذائف أوقعت أعداد كبيرة من الجرحى و القتلى ، فما هو رد وزارة الصحة تجاه هذه المعضلة؟ و كانت التوصية بعد التمرين أن تجهز الفنادق لتكون مستشفيات و العيادات الخاصة الى مراكز اسعاف و الحافلات الصغيرة الى نقل الجرحى و أن توضع خطة من وزارة الصحة لتكثيف التدريب في المدارس و الجامعات والأحياء السكنية على كيفية الإسعافات الأولية و تقسّم المدن الى قطاعات توزع مسؤولية الإسعاف الأولي و الإخلاء على جميع الكوادر الطبية الخاصّة و العامّة كل حسب مكان سكناه و تحديد الأماكن المفترض أن تتجه لها جميع الكوادر الطبية عند بروز الحاجة لذلك
ب. أرسلت معضلة بأن الجسور على مداخل مدينة ما دمّرتأ ؟؟ و كانت التوصية أن تقوم وزارة الأشغال العامّة و البلديات بوضع خطة تتضمن اجراءات تضمن إدامة الحركة من و الى المدن مما يستوجب معرفة و تحديد أماكن الشركات العاملة في مجال الطرق و البناء لتقوم بتأمين ممرات بديلة حول الجسور و العمل على إزالة الأنقاض
ج. مررت معضلة بأن العدو بدأ برماية خزانات المياه على السطوح للضغط على السكان و ارباكهم و اضعاف ارادتهم على المقاومة فكان التوجيه الى البلديات بعدم اصدار التصاريح للبناء الا بعد التأكد من اشتمال التصميم على خزانات مياه تحت الأرض و يتم التأكد من توفر المياه النظيفة شهرياً من خلال جابي المياه.
د. تم افتراض أن العدو أنزل قوات محمولة جواً خلف الدفاعات الأمامية و في المناطق الشرقية من عمان مع إشغاله للواجهات الأمامية و قد أبرزت تلك المعضلة الحاجة الى تدريب الشعب ليكون رديفاً للقوات المسلحة و للتعامل مع المواقف و مقاتلة العدو ضمن مناطق سكنهم و قد تمخّض هذا التصور عن فرض خدمة العلم على الشباب الأردني تلك الفكرة الفاعلة التي وفرت للوطن عشرات الألوف من الشباب المدرب بدنياً و معنوياً جاهزاً للدفاع عن كل مكان و في أي زمان و استمرت تلك الفكرة الوطنية النبيلة حتى بداية التسعينات حيث توارت خلف سراب السلام .
7. في نقد التمرين في القيادة العامة تبين أن الدوائر التي كانت تضم بعض العسكريين المتقاعدين هي الأكثر تنظيماً و قدمت حلولاً و توصيات منطقية مثل وزارة الخارجية التي كان من ضمن كوادرها اللواء المتقاعد عواد الخالدي الذي كان سفيراً في المركز و البلديات التي كان يديرها ضباط متقاعدين هي الأكثر تفاعلاً مثل بلدية اربد و كان يرأسها اللواء المتقاعد محمد أحمد سليم البطاينة و أمانة عمان الكبرى و يرأسها اللواء المتقاعد معن أبو نوار و بلدية مادبا و يرأسها العميد المتقاعد فرح مصاروة.
8. و قد وزعت توصيات التمرين على جميع المشتركين و الذين يمثلون مختلف الوزارات و المؤسسات و الهيئات متضمنة تفاصيل دقيقة اشتملت جميع عناصر الصمود مثل وصول المواد الأساسية المخزنة في مستودعات التخزين الإستراتيجي الى المحلات التجارية و ووصل التفصيل الى التوصية الى أن يشمل كل بيت في بنائه على ملجأ أرضي و خزان ماء أرضي و فرن عاز للخبز و اسطوانة غاز أو أكثر معبأة كإحتياط .
9. تقرر بناء استراتيجية وطنية تقوم على الفلسفة التالية :
أ. أنت على ثغر من الوطن فلا يؤتين من قبلك ، و هذا يتطلب مساهمة فعلية من كل مواطن حسب تخصصة و امكانياته الجسدية و العقلية و الثقافية .
ب. أن تدرب الأمة ذكوراً و إناثاً على جميع متطلبات الدفاع و الصمود.
ج . تقوم كل وزارة بوضع خطط مفهومة و واضحة و سهلة التطبيق للقيام بدورها الدفاعي .
د . أن تقوم كل محافظة و بلدية بوضع خطة دفاعية تشمل توزيع و جمع السلاح و تحديد اماكن و أوقات الإستخدام بلإشتراك مع المتقاعدين العسكريين في كل محافظة و بلدية .
ه . أن تخصص مستودعات للذخائر و الأسلحة في كل محافظة تناط السيطرة عليها و إدارتها للمتقاعدين العسكريين و التي هي في معظمها أسلحة فردية (بنادق كلاشنكوف ) و مقاومة دروع (أر بي جي)
و . أن يكلّف المتقاعدون العسكرييون بتهيئة الأمة و ادخالها في عملية الدفاع عن الوطن .
10. تلك هي بعض العناصر التي تجعل من احتفالاتنا بأعيادنا الوطنية متعة حقيقية و تجسد الإستقلال معنى و واقعاً
العميد الركن المتقاعد
أمين بنيه المحيسن