الاستقلال .. بين الفكر والممارسة !
أ.د عمر الحضرمي
25-05-2013 09:58 PM
لم يدخل مفهوم «الاستقلال» عالم حضارتنا إلاّ بعد انهيار الدولة العثمانية، ووقوع أكثر البلدان العربية تحت استعمار الدول الأوروبيّة، حيث بدأت الشعوب العربية تدفع نحو التخلص من سلطة الاستعمار الأوروبي.
وفي هذه المرحلة المفعمة بالأحداث السياسية المختلفة التي أحدثت هزّات عنيفة في واقع المجتمعات العربيّة، استعارت حضارتنا المعنى السياسي لمصطلح الاستقلال من مفردات الصحافة الغربية ومن علومها الإنسانية.
فبعد أن كان مفهوم الاستقلال يعني في المعجم اللغوي العربي، «الارتحال» و»الارتفاع»، أصبح يعني «الانفراد بالأمر» و»التفرد بالقرار»، وهذا يأتي في مجالين؛ أولهما استقلال الفرد وهو معنى لغوي اجتماعي (عرفي).
وثانيهما استقلال الدولة، وهو مصطلح سياسي (علمي).
إن أصل معنى الاستقلال في أصوله الغربية يعني غياب التبعيّة، بما يضمه من أبعاد سياسية وقانونيّة واجتماعيّة، ومن تمتع الدولة بالسيادة الكاملة، أي ما لها من سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها (السيادة الداخلية)، وتواجه به الدول الأخرى في الخارج (السيادة الخارجية).
ومع إدراك أن كل الدول في العالم، قد باتت مستقلة بصورة أو بأخرى، وبدرجات متفاوتة، إلا أن الممارسة الاستعمارية لم تخفت ولم تندحر، وكل ما حدث أن الاستعمار قد وضع على وجهه قناعاً يستر به حقيقته الشرسة السابقة، فكان ميلاد استعمار جديد تمثّل في التسلّط غير المباشر الذي لا يعتمد على التحكم السياسي المباشر أو الوجود العسكري الفعلي، ولكنه يقوم على أسس السيطرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واستخدام مفهوم القوة الناعمة، وبالتالي التأثير في القرار السياسي للآخرين.
وهنا لا بد من مراجعة مفهوم استقلال الدولة الكلي والمطلق، في ظل النظام العالمي الجديد القائم على تداخل المصالح وتشابكها، والتمايز بين دول قوية تملك القرار الكبير، وبين دول ضعيفة وصغيرة تتلقى القرار بقصد التنفيذ.
ومع كل ذلك فإن الحديث عن الاستقلال الناجز للدولة أصبح غير مفعّل، خاصة وأن أكثر من يهدد استقلال كثير من الدول هو الفقر والديون وشح الموارد والاعتداءات الظالمة من قبل القوى الطّاغية؛ وتفجّر الأزمات في المجتمعات، ومنها المشكلات الطائفية والعرقية والاستهداف الخارجي وحركات التمرد والإرهاب.
وهذا لا يعني أنْ نتجاهل أن هناك دولاً كثيرة في العالم قد حققت الاستقلال وبنته بكل اقتدار ووعي وفهم، ومن هذه الدول الأردن، الذي قرأ الاستقلال بأنه خطوات دقيقة وصعبة ووعرة عليه أن يعيشها بعد 25/ 5/ 1946.
وبالفعل استطاع الأردن أنْ ينجز الاستقلال بمعناه التحرر من التطرف، ومن التمزق الداخلي، ومن الانفصال عن الأمّة، ومن التبعيّة السياسية، ومن نير الأجندات المستورة، ومن الارتهان إلى المبادئ الظالمة للإنسان.
نحن في الأردن أقمنا استقلالنا على أساس الارتحال من حالة الفوضى إلى حالة بناء دولة القانون، ومن السكون إلى الحركة، ومن التشوّه إلى الإصلاح.
نسأل الله أن يحفظ بلدنا وقيادتنا وأهلنا مستقلين من كل ما هو جائر وظالم ومعوّج.
(الرأي)