عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
53 سنة من عمري أخبر منها نيفا واربعين سنة نحيي ذكرى الاستقلال كمنجز وطني حررنا منا الاستعباد للحرية ، وأخرجنا من التبعية للهوية، وحملنا من الظلم والاضطهاد والابتزاز والقهر إلى دروب المجد والنور والبناء والحقوق الانسانية، هكذا علّمنا آباؤنا معاني الاستقلال ومعاني حرية القرار وصنع المصير ومشاركة الشعب في بناء وطنه ضمن معادلة العدالة والمسأواه والاجتهاد والابداع ، وانطلاقة الفكر واحترام الآخرين بفكرهم ومشاركتهم وتوجهاتهم ما دام أنها اجتهاد لخدمة الوطن، احزاب كانت ام تيارات ام نقابات ام تكتلات ام ،،،الخ.
سألني ولدي ابن الثانية عشرة عن معنى الاستقلال الان، ولماذا نحتفل فيه ، فقلت له" هناك كأس ملأى بالمياه وثلثها فارغ ، ونحن نسعى لأن نملأ هذا الجزء، لننهض ببلدنا ونخلصه من براثن المال والفساد واصحاب السلطة الغائيين والمنظِّرين بالهواء ؛ فالدولة المستقلة هي التي تحترم مواطنها وتقدره وتمكنه من البناء والعطاء بثقة وتوازن وعدالة ؛ فيحارب قوانينها المغردون خارجها، الصانعون قوانين تنفعهم وتخصهم ، الرابضون على قلوبنا في كل منصب وموقع وكأنهم من السماء منزلون ،هؤلاء شبكة معقدة من المصالح يجمعون حولهم من هم مثلهم من المتكسبين أصحاب النظرة المادية المستعدين للتنازل عن اية قيمة وطنية أو فكرية أو عقائدية من اجل غايات تصغر امامها الوسائل،
سألني ولدي عّما يجري في الوطن، قتل وانفلات امن، جوع وتمرد، صراخ بأسقف طالت الاخضر واليابس ، ومواقف سياسية جعلتنا كذكر النحل نستخدم لمرة واحدة وينتهي مفعولنا، قال ولدي لماذا نحن عطشى ، لماذا لا نجد عملا ، لماذا نحن فقراء ، لماذا أصبحنا الدولة الاضعف نقف في مهب الريح ، نخاف من الوطن البديل ، نضع أيدينا على قلوبنا بعد كل احتجاج أومظاهرة أو مسيرة ، نخاف القبض على صاحب سوابق، نخاف مطاردة المعتدين على المدارس والمستشفيات أو رجل الدولة لا نتدخل بشكل مباشر في مشاكل العشائر ، ونتركها يصفي بعضها بعضا، نخاف من تهديداتها ونتبع أسلوب العشرينات بالجاهات والرجاء وبوس اللحى ، فلا هيبة دولة ولاهيبة وزراء ، نختار من يعرف الناس انهم ليسوا فضل الدلقموني أو شفيق رشيدات أو عبدالوهاب المجالي ، أو التوتنجي،أو الخماش، أوصلاح ابو زيد،أو،،،،،،،الخ وندفع باتجاه نواب لا هم لهم غير رضا الحكومة وبركات الاجهزة أو طبطبة تجار المال الذين دفعوا وتبنوا مسيرة بعضهم.
سألني ولدي : لماذا يعتصم الموظفين ، لماذا ينتقد الناس الاداء الوطني جهارا نهارا ، وقال لي : أين نحن ومن نحن، والى اين نسير ، وهل بقي للاستقلال هذه الايام من معنى وقد شردت الوطنية واغترب الانتماء وأصبح ابن الوطن هنديا احمر متهما بالاقليمية ، وغيره صاحب فكر واصلاح وديمقراطية، نعم ، أصبحنا بلا هوية ، وهوية مسؤولينا ستجدها وراء الابواب المغلقة عند اصحاب المال والشركات والنفط، فلا قيمة لوزير ولا دور لنائب ، فالسلطة عند من يصنع عبدة الدولار ، أما امثال وصفي وهزاع ورجالات الاردن الاشراف الذين لا ثمن لهم ، فلا مكان لهم ولاعنوان.
سبعة وستون عاما من عمر الاستقلال وما زلنا مستعمرين بالتوجه ، مغتصبين في الارادة مضطهدين بالحق ، وطننا محطة ، يأتيه ركاب القطار والطائرة والسيارة ، ويقصده الراجلة من كل صوب، وقد أعيانا الازدحام وأهلكنا الكرم ، ولا نملك حتى قوت يومنا ، تتشدق الدبلوماسية، ويتصبب عرقها خوفا وألما على الوافدين المهجّرين ،وحتى وحقوق الانسان في ما يتعلق بالخادمات السيرلانكيات ، أما انت يا ابن وطني فهيهات أن تجد البواكي وليرحمك رب العباد.
عذرا يا ولدي وارجوك أن تطبق علي لحافي ؛ علّني أنام ؛ فأفضل علاج لصداعي هو النوم ، أما انت ايها الصغير فبكير عليك الهم والمعاناة فستأتيك لا محال. فهذا قدرك في أرض النفاق ، ولكن لترقص وتغني ولتنكص وتضحك فيها على نفسك . فلا أريد ان تشيب وأنت في نضارة العمر ، فلا تفكر ولا تتأمل أو تبحث بل دائما كرر ، لا اسمع لا ارى لا اتكلم ؛ فهذه لغة الفهمان ، مسكين أيها الوطن كما هو الحال بابن هذا الوطن عينه على وطنه وعينه الاخرى على الاستقلال ، فأهلا بالاستقلال.
(العرب اليوم)