هذه المناسبة الوطنية الغالية تعني لنا أردنيا ميلاد وطن جذوره مرتبطة بأعظم ثورة عربية قومية هاشمية عرفها الشرق منذ عام 1916 على يد مطلق رصاصتها الأولى وقائد سرج خيولها وصهيلها الشريف الحسين بن علي , وتاريخ إنسانه في العصر الحجري القديم يعود لـ 500 ألف عام قبل الميلاد , ويرجع نسب الهاشميين فيه والذين هم قادته إلى هاشم الجد الأكبر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم , وحاضنته الأولى كانت بلاد الشام , وكان هدفه ولا يزال وحدة العرب , فالتاريخ لنا والحاضر لنا وكذلك المستقبل , وإيماننا بالإصلاح المستمر راسخ , ومحبتنا لأردننا لا تنقسم على اثنين ولا ترتبط بمصلحة شخصية , والوطن بالنسبة لنا هو كل شيء , فهو المكان والزمان والأحلام والآمال , وقيمته السامية لا تقاس بحدود جغرافية أو بحجم ديموغرافي ,وهو البيت الآمن لنا ولكل العرب , ولنا إرث في المحيط والخليج , وكان لنا في التاريخ المعاصر أكثر من انتصار نسينا من خلالهم ما خسرناه قبل ذلك والكرامة 1968 وتشرين 1973 خير شاهد , واعتزازنا بوحدتنا الوطنية ماثل لا تهزه رياح الأزمات , والملك تاج رؤوسنا , والجيش ( رأس جهازنا الأمني ) مصدر فخرنا , وعملتنا الوطنية وجواز سفرنا الأكثر احتراما , وعلاقتنا مع العرب والإقليم والعالم مشهود لها بالتوازن , وفي أكنافنا حزمة من الحضارات والثقافات منذ عهد العموريين أشقاء الكنعانيين ومرورا بالآدوميين والمؤابيين والحشبونيين والعمونيين والباشونيين والأنباط من أهل الجزيرة العربية قبل ألفي عام قبل الميلاد .
وسميت عاصمتنا بربة عمون عام 1250 قبل الميلاد , وكان للرومان هنا موطأ قدم عام 63 م استمر 400 عام , وشكلت عندنا مدن الديكابوليس في عمان وجرش وأم قيس واربد , وكان البيزنطيون والغساسنة هنا , ولا زال إصرارنا وسيبقى موحدا من أجل طرد المحتل وإخلاء مستوطناته من ساكنيها العجم , ولا نفرق بين مستعمر وآخر كان إسرائيليا أم إيرانيا , ويصعب علينا أن نفهم الازدواجية في السياسة الأمريكية والإيرانية تحديدا , فصديق إسرائيل عدونا , وعدوها محتل لجزر الإمارات , والحرب الباردة السرية بين الغرب والشرق وبالعكس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي 1991 تعيق طموحنا العربي لتأسيس نظام فدرالي يعيد ترتيب السياسة والاقتصاد ويضع حدا للفقر والبطالة وشح وتلوث المياه وللصحراء والتصحر والفساد وللإعلام الحكومي وحيد القطب في الدعاية , فإلى أين نحن ذاهبون كما يقول ( الإخوان ) وسط صفوفنا المعارضة ؟ .
إن الديمقراطية في بلدنا عميقة الجذور فلقد كان الأمير الملك لاحقا عبد الله الأول (1921 – 1949 ) ديمقراطيا يجالس الناس والصحفيين ويكتب في الصحافة بتوقيع (ع) حتى لا يجامله الشعب ويستطيع حصد ردود الفعل من دون تلوين , ولا زلنا نعتبر الملك طلال مؤسسا وملكا للدستور منذ عام 1952 ومشرعا حقيقيا للديمقراطية الأردنية , ونعتبر عظيمنا الراحل الحسين باني أهم مداميك ديمقراطيتنا منذ هبة نيسان 1989 , وصاحب النظرة الثاقبة بعيدة المدى في معالجة الأزمات السياسية ذات الطابع الداخلي أولا فنجح في دمج المعارضة واقترب من أعتى رموزها , واليوم تريدنا بعض صفوفها أن نقفز إلى المجهول وسط ربيع عربي تحول إلى ( قناع ) تحت مسمى ( الديمقراطية ) وارتدى ثوب ( سايكس بيكو ) , فبقي الأردن بقيادة سيدنا جلال الملك عبد الله الثاني محاورا سياسيا ودبلوماسيا في الشأن السوري الدموي المجاور المؤسف , وأصبح الآن قبل أي وقت مضى أذكى من أن يجر إلى أتون معركة خاسرة هو ليس طرفا فيها , وأهل سوريا هم أهلنا نتقاسم معهم الصبر ورغيف الخبز كما كل العرب , وفي الشأن الداخلي الأردني حزمة من التعديلات الدستورية وتوجه تجاه التمكين الديمقراطي والذي هو تماسك اجتماعي بالدرجة الأولى ومسار تربوي عصري , وهو اقتصادي يدفع نحو الإنتاج , وهو سياسي يقود إلى الحزبية والمدنية , والديمقراطية الأردنية لا تعني لنا الفوضى , بينما نعتبر المعارضة موالاة في إطار الدستور وتحت سقفه , ونعتبر الموالاة المطالبة بالإصلاح معارضة من أجل رفعة الوطن بعد ملاحقة قلاع الفساد فيه .
لا يوجد شيء يمكن أن يؤرقنا في الأردن أكثر من انغلاق طرق الحلول في وجه القضية الفلسطينية , وسيبقى الإصرار الأردني ماثلا وعاملا من أجل إقناع إسرائيل أولا ومؤسسة ( آيباك ) في واشنطن , وأمريكا ودول العالم ثانيا بحتمية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف مع ضمان حق العودة والتعويض وإخلاء المستوطنات من ساكنيها اليهود وفق حدود 1967 , والمحافظة على الوجود الفلسطيني والعربي في فلسطين التاريخية لعام 1948 , ولقد أسعدنا في الأردن الإعلان عن تسمية جلالة الملك عبد الله الثاني وصيا على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين استنادا للدور التاريخي للملك الشريف الحسين بن علي صاحب الوصاية الأولى عليها عام 1924 , وانسجاما مع اتفاقية عمان – رام الله تاريخ 31 / 3 / 2013 .
وفي الشأن العراقي نريد للعراق أن يتعافى وأن لا يزج نفسه في سرابية تشويه رمزية الشهيد البطل صدام حسين لما له من مكانة عالية في عيون الأردنيين والعرب , والامتحان الحقيقي لوجه العراق الجديد يكمن في وقف العنف والخراب والدمار وفي إعلاء البنيان والعدالة , وفي نشر الديمقراطية التي تعترف بالبعث مكونا أساسيا وسط النسيج الحزبي العراقي , تماما كما تفعل روسيا الآن التي تعترف بالحزب الشيوعي باني الاتحاد السوفييتي وتصنفه في مقدمة صفوف المعارضة , وفي المقابل لا توجد جهة سياسية في العالم يمكنها بالمطلق أن تحتكر البناء وتدعي الكمال , وعودة على استقلالنا الأردني المرتكز على حكمة آل البيت في دمج الحضارتين والثقافتين الإسلامية والمسيحية نريد أن يصبح مثلا يحتذى وسط العرب , ولا نقبل بأية ألوان دينية وسط ديننا الإسلامي الحنيف انطلاقا من رسالة عمان التي أطلقها صاحب الجلالة الهاشمية عبد الله الثاني عام 2004 ودعت إلى الوسطية والاعتدال والمحبة والسلام , ونعترف أردنيا ورسميا بالرأي الآخر المعارض ونتمنى عليه أن يبادل الرأي الأول نفس الاعتراف .
الإصلاح المنشود لا يأتي على شكل خطوة واحدة وإن جاء حزمة مجتمعة , ولا يجوز تحميل الأردن الرسمي كل فاتورة الإصلاح , واقتلاع الفساد الكبير والصغير من جذوره مطلب مشترك للدولة والشعب معا , ولا تستطيع جهة سياسية أن تزاود أو أن تحاول الإقحام في نيران لم نشعلها أصلا, وليس أمامنا سوى توحيد الصفوف وإعادة بناء مؤسساتنا الوطنية لنخطو بثبات تجاه مستقبل واعد , فالعنف يجب أن يصبح شيئا من الماضي , ولا علاج له سوى المسار التربوي الواجب تفحصه من البيت عبر المدرسة والجامعة والنادي والجمعية والنقابة والإعلام والبرلمان , وبعد تمكين اقتصادي وسياسي من طراز جديد كما ذكرت سابقا هنا .
مؤتمر البحر الميت الاقتصادي الذي يعقد في بلادنا الآن مؤشر في الاتجاه الصحيح , ولا تعديلات دستورية سيادية ملكية وأساسية تكون مقبولة الآن من دون بناء متواصل يبدأ من الأسفل إلى الأعلى , ولا حكومة برلمانية نستطيع أن نفهم من دون ظهور أحزاب منظمة وقوية وكبيرة محدودة العدد تجمع اليمين والوسط واليسار في الشارع قبل البرلمان , ونريد لاستقلالنا أن يثمر بزوال الاحتلال والاستعمار المباشر وغير المباشر لوطننا العربي مهما تلون , وبغض النظر عن مصدره , وحمى الله أردننا الغالي ومليكنا المحبوب .