إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا
د. هاني البدري
24-05-2013 01:28 AM
بقي حسني البورزان يرددها طوال موسم كامل من مسلسل "صح النوم"، لم يتوقف عن البحث عن إجابة شافية لسؤاله "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا.. يجب علينا أن نعرف ماذا في البرازيل"، حتى صدمته فطوم باستخفاف "الإجابة سهلة، المعكرونة في إيطاليا والبن في البرازيل".
جيل كامل لم يدرك الإجابة، لكن طرافة العبارة والسعي نحو الإجابة لازمنا أعماراً حتى اكتشفنا أن ما في إيطاليا والبرازيل ودول أخرى عديدة لم نكن نعتد بها أيام البورزان وفطوم حيص بيص، أكبر بكثير حتى من مجرد تخيلنا لما يحققه العالم فيما نحن مكانك سر.
يكفي أن ندرك أن اقتصاد إيطاليا هو الأضعف والأفقر بين اقتصاديات أُوروبا، لكنه رغم هذه الحقيقة، أكبر وأقوى وأمتن من اقتصاديات الاتحاد الأوروبي، لكنه رغم (مرارة) هذه الحقيقة، أكبر وأقوى وأمتن من الاقتصاديات العربية مجتمعة معاً، بما فيها دول النفط العربي التي انبرى بعضُها بفظاظة وفجاجة لافتة لشراء فنادق عالمية من ذات النجوم التسع وجزر في اليونان وبلغاريا وأندية كرة قدم شهيرة ومحطات تلفزة عالمية لا تتحدث العربية، وأبراج ومطارات، اشترت واستثمرت، وأخفقت عن إحداث تغيير جوهري في صورة العربي في أي من تلك الإمبراطوريات العالمية، وإلا فمن يذكر لإنجازات مانشيستر ستي وباريس سان جيرمان أنها مملوكة لأثرياء عرب.
ومن يتوقع أن تتأثر ذائقة الجمهور الأميركي وانطباعاته المُختزنة، عبر شبكة قنوات الكيبل الأميركية (current) التي استحوذت عليها قناة عربية خليجية، والتي تصل لستين مليون مشاهد في أميركا.
إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا.. إذن، لنعرف أن البرازيل أعلنت العام 2003 برنامجاً لمواجهة الجوع وشهدت وقتها أوسع هوة في الأجور والتوزيع غير العادل لثروة البلاد، وواجهت واحدة من أشهر الأزمات المالية مع صندوق النقد الدولي واعتمدت أكبر برنامج للتقشف في مواجهة ما سُمي آنذاك بـ"أزمة الثقة".
لنعرف أن البرنامج الإصلاحي، وثقة المواطن البرازيلي وبعض الصبر والروح المعنوية التي أكاد أجزم أن مكانة الكرة البرازيلية في العالم كانت تلعب دوراً كبيراً في إنعاشها وحكمة الرئيس دي سيلفيا قد أدت في سبع سنوات، إلى ارتفاع معدلات التنمية والتوظيف ووصول الطاقة الإنتاجية إلى مستواها القياسي وتراجع معدلات الفقر والبطالة، وزيادة مستويات الصناعة والتصدير والسياحة، وتبوئها موقع سادس أكبر اقتصاد في العالم.
ماذا إذن في الهند التي كنا نَستهين بها، وعلينا أن نقرأ ما قالته (فورين أفيرز) في عددها الأخير حول قصة النجاح الهندية "إن ازدهار الاقتصاد الهندي سيستمر بما أن السياسة الديمقراطية الهندية تسمح بذلك".
علينا أن ندرك أن الهند منحتنا درساً في بلد يحوي ملايين القوميات والأجناس واللغات والمذاهب والأعراق لتقدم قصة نجاح اقتصادي واجتماعي وثقافي نادر لتصبح ثاني أكبر بلد عالمي في صناعة البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات.
تركيا التي عانى اقتصادها طويلاً، هي نفسها التي حققت المعجزة، حين حازت الموقع 17 في العالم من حيث متانة اقتصادها وثالث أقوى نمو اقتصادي في العالم.
أما هولندا فاتخذت أوسع إجراءات لحماية صحة شعبها حين رفعت الضرائب على المشروبات الغازية وألغتها على العصائر الطبيعية، لتمنح الهولنديين حياة أفضل.
أما عندنا فيكفي أن نعرف أن ميسي كان في الدوحة أمس لإجراء مقابلة مع قناة قطرية مقابل عشرة ملايين دولار فقط، غير متضمنة الطائرة الخاصة التي تحمله ذهابا وإياباً.
hani.badri@alghad.jo