المسؤول : بين الحصانة وإشهار الذمة
رولا نصراوين
23-05-2013 07:03 PM
مقال رقم (1)
يحكى في فرنسا أن تسجيلاً صوتياً مدته ثلاث دقائق وخمسون ثانية من مجيب آلي سجل إعتراف وزير المالية الفرنسي جيروم كاهوزاك إمتلاكه حسابا مصرفيا في الخارج منذ نحو عشرين عاما يضم 600 ألف يورو أدى إلى أفول نجمه السياسي واستقالتة وهو من أبرز وزراء الحكومة الفرنسية الحالية ... وكان قد سبقه قبل ذلك الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إبان الفترة التي عمل فيها عمدة لمدينة بلدية باريس عندما أدين بالسجن مدة عامين مع وقف التنفيذ في قضية فساد وخيانة الأمانة، واختلاس أموال عامة، واستخدام غير مشروع للنفوذ وتمت ملاحقته قضائياً.
ويحكى أيضاً أن مئات من القضايا ما تزال قيد النظر أمام المحاكم الأردنية بحق 80 نائبا في البرلمان وتختلف جميعها بالتصنيف الجرمي ؛ فمن طلبات الجلب وقضايا التنفيذ القضائي وقضايا الاعتداء على الممتلكات العامة وقضايا عمالية وقضايا التهديد والذم والتحقير والمطبوعات والنشر وقضايا وجرائم مالية ووظيفية والتزوير والسرقة والاحتيال، والكسب بلا سبب والاختلاس، وإساءة الائتمان، والقبض غير المستحق، إلى قضايا الكمبيالات والسندات والمطالبات المالية والقروض والتهريب ومخالفات قوانين الصناعة والتجارة والصحة العامة، وقانون العمل والحقوق العمالية وإحداث عاهة دائمة ... والمؤسف بالأمر أن الحصانة النيابية لنواب الوطن تمنع تنفيذ هذه الأحكام ....!!!
وما بين الحصانة الحديدية التي يأتزر بها نواب الوطن الكرام الى قانون الكسب غير المشروع المتداول الآن في الملعب البرلماني الأردني تتدحرج الكرة ذهابا وإيابا دون أن تحقق أهدافاً يلمسها المتفرج على أرض الواقع سيما وان عمر المجلس النيابي الآن قد جاوز المائة يوم ونيف دون أن يفرحنا بالمصادقة على أي قانون مدرج قيد البحث أكل على غلافه التراب وشرب منذ زمن بل إكتفى نواب الوطن بتغيير المسميات الشكلية للقوانين فقط من قانون "الكسب غير المشروع" الى قانون "من أين لك هذا ؟!" لتتناسب والعقلية النيابية الأردنية.
والغريب بالأمر أن المواد 86 و87 من الدستور الأردني ضمنت الحصانة النيابية للنواب بشكليها الموضوعي والإجرائي وحالت دون محاكمتهمم إلا بإذن من المجلس النيابي طالما أنه لا توجد حالة تلبس بالجريمة وقد ضمنت عدم ملاحقتهم جزائيا على آرائهم ومواقفهم أثناء تأدية عملهم النيابي لممارسة عملهم بكل جراءة وشجاعة وحالت دون توقيفهم أو الاستمرار في محاكمتهم طالما كان المجلس في حالة انعقاد، وبالتالي فإن هذه الحصانة لا وجود لها قبل انعقاد الدورة البرلمانية ولا وجود لها بين دورات الانعقاد ولا في فترات الإرجاء وإنما توجد فقط أثناء انعقاد الدورات البرلمانية عادية أو غير عادية أو استثنائية من جهةعمون .
وأن قانون إشهار الذمة المالية والذي نص على تجريم "الإثراء غير المشروع" على حساب المنصب الوظيفي أو الصفة الوظيفية لم يلاحق لغاية الآن أي شخص من الاشخاص الخاضعين لنطاق تطبيق هذا القانون بهذه الجريمة من جهة أخرى ذلك أنه لا يوجد قانون خاص في الأردن يتعلق بتجريم الكسب غير المشروع ...!!! وبالتالي فإنه لا جدوى حقيقية أيضا من وضع القانون ما لم يتم تفعيله بجدية.
وإذا ما نظرنا الى التجربة العربية لهذا القانون فقد بدأ العمل به في مصر عام 1975 وسوريا عام 1958 وفلسطين عام 2005 وفي الأردن بدأ العمل بقانون إشهار الذمة المالية عام 2006 الذي ومع الأسف أيضا ركز على إجراءات إشهار الذمة المالية أكثر من تركيزه على معاقبة فعل الكسب غير المشروع.
وهنا تجدر الإشارة لذكر قانون الإثراء غير المشروع اللبناني فقد نص في المادة الرابعة بمجمله على أنه يشترط على كل مسؤول من الفئة الثالثة فما فوق أن يقدم عند مباشرته العمل وكأحد شروط المباشرة تصريحا موقعا منه يبين فيه الاموال المنقولة وغير المنقولة التي يملكها هو وزوجه واولاده القاصرون ويعتبر مستقيلا كل قاض او موظف او مستخدم او عضو مجلس ادارة اذا لم يقدم خلال ثلاثة اشهر من تاريخ تبلغه بواسطة رئيس ادارته.
فلماذا تتم ملاحقة ومحاسبة الفاسدين أو من تثبت عليهم شبهات فساد في دول العالم المتحضرة ولا تتم في بلادنا ...!! وكيف تمكن الناخبون من الحصول على اوراق عدم المحكومية من القضاء الأردني واستكمال عملية الترشح أمام الهيئة المستقلة للانتخاب دون تنحيتهم لعدم استحقاقهم ..!! ولماذا لا يتم أيضا تفعيل قانون محاسبة المسؤولين وتقديم إقرار الذمة المالية لدى البدء بالعمل وإلزمهم بتقرير آخر لدى تركهم المنصب الوظيفي وإبراء ذمتهم المالية منه؟! لماذا نترك كل هذا ونلاحق المواطن في قوته ورزقه وعياله... !! هل من مجيب..!!!
rulanassraween@hotmail.com