نحصد ما زرعنا .. فلنزرع من جديد
جهاد المنسي
22-05-2013 06:36 AM
ما نعانيه من عنف مجتمعي تارة، وجامعي تارة أخرى، أثر على مصير طلبة، بعد أن انقطعوا عن جامعتهم (الحسين بن طلال) وعن دراستهم لأكثر من 3 أسابيع متواصلة؛ إنما هو نتيجة لإفراز سياسات خاطئة في التربية والتعليم والتربية الوطنية، وابتعاد عن مفهوم الدولة، والنزوح نحو حلول مناطقية وجهوية.
فالمشاجرات شبه اليومية في الجامعات، وما ينتج عنها من تعطيل للدراسة وإضرار بمرافق الجامعة، وجرحى ودماء تهدر بلا ثمن، وأحيانا وفيات بعمر الزهور تذهب هكذا بلمحة عين؛ كلها معضلات تطل برأسها، ويتعين على الدولة بكل مؤسساتها المساهمة في حلها.
ما نحصده اليوم هو نتيجة ما زرعناه سابقا من تخبط في التربية والتعليم والتعليم العالي، وابتعاد عن مفهوم الدولة الجامعة المانعة، وتكريس مبدأ العشائرية والجهوية الذي ساهمت فيه أطياف واسعة من الدولة لمحاربة جهات معينة، وإبعاد أخرى.
دعونا نعترف بالمشكلة، دعونا نرفع رؤوسنا من الرمل قليلا، دعونا نرى حولنا، دعونا نضع كل معاناتنا على طاولة البحث للخروج بالعبر.
دعونا نعترف ونرى ونقر، أن السياسات التى هيمنت على التربية والتعليم، والتعليم العالي، والاستثناءات التي تعج بها مقاعد جامعاتنا، والمحسوبية والواسطة، و"الكوتات"، ساهمت في تراجع قيم التعليم أولا، وأجلست على مقاعد الدراسة من لا يستحق، وأبعدت من يستحق.
دعونا نعترف أن قيم التربية البيتية والمدرسية تراجعت؛ فابتعدنا عن سماع كلمة الوطن الواحد في مجالسنا، وحتى في أغانينا، واستعضنا عنها بأسماء مدن وعشائر، فبنينا مجتمعا منكفئا على نفسه، تؤثر فيه العصبيات الجهوية؛ وأصبحنا أقل تفهما للآخر، ونرفض الرأي الآخر، ونخونه أحيانا.
إن أردنا حل المشكلة من جذورها، علينا وضع كل التدخلات التي تحصل في التعليم جانبا، والذهاب نحو تطويره بما يخدم مصلحة الدولة العليا، وليس مصالح جهات تعتقد أن رأيها هو الرأي السديد، ورؤيتها هي الرؤية الأفضل، ووجهة نظرها هي التي يجب أن تسود.
لو توافقنا على ذلك أولا، فإن ذاك يتطلب إعادة النظر في كل مناهجنا؛ ابتداء من منهاج الصف الأول الابتدائي وحتى "التوجيهي"، وتكريس البعد الوطني والقومي في تلك المناهج، والابتعاد عن كل ما يؤشر إلى فئوية أو جهوية أو عصبية، والعودة إلى أن نغرس في فكر الطفل الطالب أن الأردن جزء من منظومة الوطن العربي الكبير، وإعادة نشيد بلاد العرب أوطاني إلى مناهجنا.
وحتى نستطيع أن ننشئ جيلا مستقبليا بعيدا عن الانكفاء نحو عصبيات ضيقة، ولديه القدرة والمكنة للذهاب نحو عوالم أرحب، حيث يسيطر عليه فكر الدولة المدنية الجامعة، فعلينا أن نغرس في مناهجنا مفهوم الدولة، ونبتعد من خلال تشريعات صلبة عن الواسطة والمحسوبية، والشللية والمناطقية، وتجريم مرتكبيها.
أن أردنا الخروج من بوتقة ما نحن فيه حاليا، فعلينا تعزيز فكر حقوق الإنسان، وتعظيم احترام الرأي والرأي الآخر في مناهجنا، والإيمان بحقوق المرأة واحترام الاختلاف في الرؤية والفكر والدين؛ علينا تعزيز فكرة الدولة المدنية الجامعة والابتعاد في كل مناهجنا عن القطرية والفئوية.
وحتى نحل المشكلة، لا بد من الاعتراف بأننا توسعنا في فتح الجامعات في كل محافظة. وربما في هذا قد يقول قائل: ذاك أمر إيجابي. لكن وإن سلمنا بإيجابيته التي لا أتفق معها، فأنني لا أرى أن تلك الجامعات يجب أن تكون ملكا للمحافظة الموجودة فيها، فهي لكل الأردن من أقصاه إلى أقصاه. وهذا يتطلب إرسال ابن اربد للدراسة في الطفيلة، وابن الكرك للدراسة في عمان، وابن المفرق للدراسة في السلط، وهكذا دواليك.
دعونا نعترف أننا وضعنا التعليم المهني خلف ظهورنا، فسيطرت العمالة الوافدة على المهن؛ وهجرنا الزراعة، فتراجع دخلنا القومي؛ وتعاملنا مع الجامعات خلال سنوات سابقة بفكر أمني أكثر منه أكاديمي، فتراجع مستوى التعليم ومستوى المحاضرين ومستوى الطلبة، وباتت الجامعات بدل أن تكون مشاعل نور وعلم، ساحات معارك.
فهل نستطيع أن نفعل.. هل نستطيع إنقاذ الجيل القادم، ووضع حد للنزيف الحاصل يوميا؟!
jihad.mansi@alghad.jo
الغد