مبادرة زمزم .. الانتقال من الدعوة إلى الدولة
نبيل غيشان
21-05-2013 03:18 AM
فرصة ذهبية لمراجعة الذات والبرامج والأهداف وأساليب العمل لاستيعاب دروس السنتين الماضيتين والانتقال إلى مرحلة جديدة
أشهراللقاء التحضيري لمؤسسي المبادرة الأردنية للبناء (زمزم)الوثيقة الأساسية للمبادرة وإقرارها والاتفاق على الخطوط الرئيسية للعمل في إطار وطني جامع يعتمد منهجا سلميا علنيا، يسعى إلى تمكين المجتمع الأردني وبناء دولته المدنية الحديثة بمرجعية قيمية إسلامية تتبنى التوفيق بين الإسلام والخط الوطني وإزالة التناقض بين العروبة والإسلام وبين الإسلام والإنتماء القومي الأصيل.
وهذا كلام في حد ذاته يشكل مراجعة ذات قيمة وفهما جديدا للعمل الاسلامي والعمل الحزبي في ظل التغييرات الهائلة التي تجتاح الإقليم، لكن ما هي ردة الفعل ؟
الرأي العام المحلي والخارجي اعتبرها خطوة من أجل تصحيح الكثير من المسارات ومواءمتها مع المتغير الجديد بعد تجربة الاسلاميين في الحكم في مصر وتونس وليبيا، لكن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية التي صبرت على المبادرة بدأت تهدد بإجراءات عقابية ضد "الإخوان" المشاركين في المبادرة باعتبار أنهم وقعوا في "مخالفة تنظيمية" لذا سيجتمع المجلس التنفيذي للجماعة اليوم لمناقشة ما يمكن اتخاذه ضد المشاركين في المبادرة.
والحقيقة أن المبادرة بحد ذاتها تتيح فرصة ذهبية لجماعة الإخوان في الأردن من أجل مراجعة الذات والبرامج والأهداف وأساليب العمل من أجل استيعاب الدروس من الواقع السياسي خلال السنتين الماضيتين والانتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على الديمقراطية الداخلية والانفتاح التي تنقل "البيعة على السمع والطاعة" من إطارها الضيّق إلى آفاق أوسع من حرية التفكير وتعدد الآراء ومنع التعسف في استعمال السلطة.
كانت جماعة الإخوان المسلمين في الوطن العربي حزبا سياسيا مقموعا من السلطة، وبالتي فإن أفكاره وبرامجه لم تطبق على أرض الواقع، فكان لها أنصار ومطالبون بتجربتهم في الحكم علهم يكونون أفضل من الحكم المستبد والفاسد، إلى أن جاء الربيع العربي واستلمت الجماعة الحكم في مصر وتونس، ورأى الناس حكمهم، الذي استبدل الحاكم المستبد بالحزب الذي لا يرى إلا نفسه، واستبدل الفساد بقلة الخبرة والجهل الذي سيقود إلى كارثة أكبر من الفساد.
وهنا وجدت الحراكات الإسلامية نفسها أمام تركة سياسية ثقيلة ومشاكل إدارية ومالية وتقنية لا حل لها إلا بالتكيف المرن مع الواقع والبحث عن حلول واصطفافات جديدة لا تقصي أحدا، بل يشارك فيها الجميع من أجل التفكير بإحداث انتقال سريع من فكر الدعوة إلى فكر الدولة، ومن فكر النصح والإرشاد إلى فهم لعبة المصالح الداخلية والخارجية.
مهمة الإسلاميين ليست سهلة، فقد باتوا أمام الواقع المُرّ وأصبحت أيديهم في النار، ولم يعد ممكنا البحث عن مكاسب حزبية على حساب الآخرين، وكل صاحب مسؤولية يجب أن يقف عند يوم الحساب، والناس معنيون بالنتائج ومدى انعاكسها على حياتهم، أما العناد والمكابرة فإنهما لن يُفيدا بشيء.
لذا؛ فإن على جماعة الإخوان المسلمين الأردنية أن تستمع جيّدا إلى نصائح المرشد العام وما يقوله من كلام طيب بحق الأردن ونظامه السياسي واعتداله ووسطيته، وأن تفكر داخليا في التعامل المرن مع مبادرة زمزم وأصحابها، لأنها فرصة قد لا تتكرر للتجديد والاصلاح الداخلي وتحكيم العقل والمنطق والابتعاد عن المغامرة السياسية غير محسوبة النتائج.
مبادرة زمزم، حبل إنقاذ لا حبل مشنقة، حبل يُمَدّ مِن أجل الخروج من مأزق الحزبية الضيّقة والبرامج التي لا علاقة لها بالواقع والابتعاد عن المغامرات الطائشة في الساحات والشوارع من أجل الاتفاق على قواعد جديدة للعمل وبرنامج وطني توافقي يستطيع أن ينقل البلاد والعباد إلى حالة أفضل من الديمقراطية والاصلاح ومحاربة الفساد والجهوية الضيّقة.
فقضية الانتقال الديمقراطي ليست عملية أتوماتيكية، بل مخاضا عسيرا بحاجة إلى بناء قواعد ثابتة وتغيير الذهنية السائدة لدى المجتمع على أسس سياسية واقتصادية لتمكين الأغلبية من الحكم على قواعد حقيقية من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
(العرب اليوم)