يقوم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على قضيتين، عامتين، مفردتين هما: الارض والبشر. وقامت الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، على برنامج الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية وأقل قدر ممكن من السكان الفلسطينيين، وقد تم ذلك عبر عمليات الابعاد والتشريد والطرد في عامي 1948 و 1967، والاستيلاء القسري على الأرض من سكانها وأصحابها الأصليين العرب الفلسطينيين، وزرع المستوطنين اليهود والمهاجرين الأجانب الجدد مكانهم، مما أدى إلى تغيير الوضع الديمغرافي وعدد السكان على أرض فلسطين، حيث نجحت الصهيونية في تحقيق الأغلبية اليهودية، وجعل الفلسطينيين الأقلية في وطنهم في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948.ومنذ عام 1967 تسعى اسرائيل بشكل مبرمج وممنهج، جعل الضفة والقدس والقطاع، طاردة لسكانها، من خلال التضييق والمصادرة والاستيطان والعقوبات الجماعية وتعطيل دورة الحياة الاقتصادية في الزراعة والصناعة والتجارة وتحجيم فرص العيش إضافة إلى القتل والاغتيال والتدمير والاعتقال، بينما تقوم سياسة وبرنامج منظمة التحرير وسلطتها الوطنية على تثبيت الفلسطينيين في وطنهم وصمودهم وتوفير مستلزمات فرص العيش لهم، وعودة من تستطيع إعادتهم إلى وطنهم، وقد وصف أحد غلاة المفكرين الأمنيين الاسرائيليين أن اسرائيل ارتكبت ثلاث حماقات في تاريخها تتمثل أولاً: بسماحها ببقاء حوالي 150 الف عربي فلسطيني في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948 أي في الجليل والمثلث والنقب وبعض المدن المختلطة بات عددهم اليوم يفوق المليون نسمة يشكلون خمس سكان اسرائيل. وتتمثل الحماقة الثانية باستيلائها على الضفة والقدس والقطاع 1967 بدون طرد أغلبية سكانها الذين باتوا اليوم أكثر من أربعة ملايين يشكلون جسم الدولة الفلسطينية المنشودة. أما الحماقة الثالثة في نظر غلاة المتعصبين الاسرائيليين فتتمثل باتفاق اوسلو الذي سمح بعودة أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني مع مؤسسات منظمة التحرير وعلى رأسهم الرئيس الراحل عرفات، إلى فلسطين.
مؤتمر باريس الاقتصادي 17/12/2007 الذي تم تكريسه كما قال الرئيس الفرنسي لإقامة الدولة الفلسطينية، حدد له ثلاثة أهداف ذكرها في خطابه الإفتتاحي كما يلي: أولاً: تقديم الدعم الفوري لكافة سكان الاراضي الفلسطينية. وتوجيه الدعم المالي والانساني إلى سكان قطاع غزة، فالاستمرار كما يقول ساركوزي في عزل قطاع غزة ينطوي على مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة. وينبغي فتح نقاط العبور بغية تشجيع الانعاش الاقتصادي.
ثانياً: دعم الاقتصاد الفلسطيني، ولا يمكن لهذا الاقتصاد أن يتطور دون تغيير جذري في الوضع الميداني. وتشكل حرية حركة الأفراد والسلع الأولوية. وكذلك التجميد الكامل والفوري لحركة الاستيطان. كيف يمكن السعي إلى إنشاء إقتصاد قابل للحياة دون القيام بذلك؟؟ يسأل الرئيس الفرنسي! ثالثاً: ينبغي أن يواكب هذا المؤتمر البناء التدريجي لدولة حديثة. وينبغي أن يتم تدريجياً إصلاح الأجهزة الفلسطينية وأن تزداد احترافاً، وبشكل مواز، ينبغي أن تنسحب اسرائيل من الضفة الغربية. وينبغي أن يقدم المجتمع الدولي دعمه لتحقيق هذا الهدف الصعب.
ثلاثة أهداف واضحة جلية تتوسل دعم وإسناد الفلسطينيين على أرض وطنهم وتقديم أسباب وعوامل صمودهم عليها وتطورهم برغبة دولية غير مسبوقة بهذا الوضوح والقوة السياسية والاقتصادية على السواء.
ما قاله وما سعى له الرئيس الفرنسي لم يقله على الاطلاق أي رئيس لدولة كبرى من قبل، لا الروسي ولا الصيني ولا أي من أصدقاء الفلسطينيين، وهذا له معنى ودلالة وتطور نوعي في السياسة الدولية وهذا يعود لثلاثة أسباب أولها عدالة القضية الفلسطينية المسنودة بقرارات الأمم المتحدة، وثانياً بسبب حكمة وإتزان القيادة الفلسطينية وسلوكها الواقعي العصري في برنامجها وفي تمسكها بحقوق شعبها سواء من قبل الرئيس أبو مازن أو من قبل رئيس وزرائه سلام فياض واكتسابهما المصداقية أمام مراقبة ومتابعة المجتمع الدولي. وثالثاً بسبب التعنت الاسرائيلي وجلافة السياسات الاسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين ورفضها الانصياع لمتطلبات التسوية وإستحقاقات السلام وقرارات الأمم المتحدة.
مؤتمر باريس نقله نوعية في السياسة الدولية باتجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه وليس مجرد محطة إضافية في سلسلة المحطات التي تشكل نقاط عبور تسجل في رصيد النضال الفلسطيني الضعيف غير القادر على توجيه الضربة القاضية للإحتلال المتفوق، بل هي نضالات تراكمية تنتزع ثقة وإحترام المجتمع الدولي، وتنال تعاطفه وإنحيازه وهو أحد أسلحة النضال لتحقيق الأهداف الفلسطينية المشروعة وهزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وتحجيمه.
hamadehfaraneh@yahoo.com