يتشاغل الكل بالتنبؤ حول نهايات الأزمة السورية،هل سيبقى الأسد،أم سيرحل، هل سيبقى بصلاحيات اقل وشراكة مع المعارضة، أم أن المعارضة هي التي ستحكم سورية، و وسط هذه التساؤلات يغيب السؤال الأبرز والأخطر والأهم ؟!.
تشير التقديرات الى ان خسائر سورية الاقتصادية وصلت الى مائتين وخمسين مليار دولار، اضافة الى تدمير مائتين وثمانين ألف بيت، وتشريد أربعة ملايين سوري داخل سورية وخارجها، و مقتل ما يزيد عن مائة الف انسان، وجرح مئات الالاف، مع ستة مليارات دولار في الحد الادنى كلفة عسكرية، من سقوط طائرات،وخسارة ذخائر وغير ذلك،فوق الكراهية والاحقاد التي تم بثها بين شعب واحد.
الوريث السياسي في سورية، مهمته صعبة جداً،سواء بقي النظام برأسه الحالي اي الأسد، او بقي النظام مع رأس جديد، او جاءت المعارضة لتحكم على انقاض النظام، فان هذا الوريث سيواجه كارثة كبرى، لا تغطيها كل الشعارات الرنانة، ولا الخطابات، ولا الحديث عن حقوق الانسان،ولا التكبيرات المدوية،لان سورية في المحصلة تم تدميرها كلياً.
المعارضة تقول كلاما جميلا ورومانسياً، وبكل بساطة تقول: دعونا نحكم سورية، وسوف نُعمرّها سريعاً،والكلام سهل جدا، لان خلفه الرغبة بادامة المحرقة في سورية، ولا يقول لك احد كيف ستتم اعادة بناء سورية بهذه البساطة، إلا إذا كانت هناك مراهنة غبية على عقد مؤتمرات التسول الدولي لاعادة اعمار سورية.
النظام السوري ايضا يتحدث بلغة شبيهة، فهو ايضا يريد تسخير دلالات الأرقام والخسائر،لاثبات عدالة المعركة، وان هناك استهدافاً للدولة السورية، وهذا صحيح، لكن لا احد يقول لك ماجدوى التبرير امام الخسائر التي تحققت، وكيف يمكن اقناع الناس ان اعادة البناء ممكنة ايضاً لو بقي النظام، فالنتيجة تحققت، و لاينفع التلاوم اليوم، حول المسؤوليات، ومن بدأ ومن رد الى آخر هذه المخاضة؟!.
هذا يفسر سكوت الغرب على الحرب في سورية، لان الغرب من جهة يتخوف مؤقتاً من بديل نظام الاسد،ويريد تدمير البلد حتى يأخذ عطاءات اعادة اعمارها، على ذات الطريقة الليبية،اذ دمرّوا مقدرات ليبيا بتمويل عربي،وفازوا بكل عطاءات اعادة الاعمار!!.
من جهة اخرى تستفيد اسرائيل مرحليا بتحقيق ماعجزت عنه بالحروب،اي تدمير سورية،وادامة الحرب،حتى تخرج سورية ضعيفة مدمرة،وربما مقسمة،وهذا الاستهداف الاسرائيلي،موجه بالدرجة الاولى الى الشعب ومقدراته وحياته. لهذه الاسباب لايراد حسم المعركة، تنقيط بالسلاح على المعارضة، وتنقيط بالسلاح على النظام، والهدف ادامة النار دون حسم، حتى يحترق كل شيء، وتخرج سورية ضعيفة، مهشمة، وترتاح اسرائيل من كل جوارها.
الجوار هنا، لايعني الأنظمة السياسية، بل الجوار الشعبي، و كل جوار اسرائيل تم تدميره، بالحروب او بالفقر والامراض والديون، او بالفتن والصراعات الدينية والمذهبية، ودعونا نتأمل احوال العراق، سورية، مصر،لبنان،فلسطين،وهذه الضغوطات التي أهلكت معظم جوار الاحتلال الاسرائيلي، ثم يأتونك ليقنعوك ان اسرائيل ترتعد خوفاً مما يجري حولها، وهذا كذب وتدليس.
علينا ان نتأمل فاتورة الحرب الكارثية، التي أودت ببلد عربي مهم جداً، وله جذوره وقيمته في التاريخ والواقع،انها الشام الحاضنة العربية الابرز، التي تم تدميرها وضمها الى حاضنتين عربيتين تاريخيتين،تم تدميرهما ايضاً، اي بغداد والقاهرة.
شرعية هذا الطرف أو ذاك، ومظالم هذا الطرف او ذاك، يجب ألاّ تمحو تقييمات الاثر الخطير لهذا الصراع،على أهل المنطقة وبناها. لعل البعض يقرأ المنطقة وما يجري فيها، بغير تلك القراءات التي ادمنت فقط الاصطفاف إما مع النظام او المعارضة، ولا أحد يقرأ مآلات الشعوب والدول وسط هذه الأحوال السيئة، التي ماشهدنا مثلها عبر التاريخ.
(الدستور)