شركات تستغل الشباب بوهم الثروة عبر "التسويق الشبكي"
19-05-2013 05:40 AM
"العرب اليوم" تكشف شركات تسويق غير شرعية تستغل حاجة الأردنيين
الزعبي: الحكومة والأجهزة الأمنية تتحمل مسؤولية هذه الأنشطة المشبوهة
مصر تغلق عدد من الشركات وحملات مضادة عبر "الفيسبوك"
تسويق منتجات لا تلقى رواجاً وسلع ذات نوعية رديئة
أحد المتضررين: كلما حدّثت أحداً على الشركة وآلية التسويق وصفها بـ"أحدث طرق الاحتيال"
العناني:شركات "التسويق الشبكي" تنتشر حول العالم ومعظم ضحاياها من طلاب الجامعات والخريجين الجدد
الافتاء: "التسويق الشبكي" لا يعد من باب السمسرة الشرعية وانما ميسر ومقامرة محرمة
"نصبو عليّ" حملة مضادة عبر "الفيسبوك" للتحذير من مخاطر احتيال "التسويق الشبكي"
الإفتاء يحرم التعامل مع شركات التسويق الشبكي
عمون - "أن يكون لديك مشروعك الخاص، وبرأس مالي قيمته 500 دولار، ومدة العمل لا تتجاوز عامين ومن بعد ذلك ستتقاضى راتبا شهريا من دون أن تبذل أي جهد، ستجمع ثروة كبيرة خلال عشرة سنوات لن تجمعها في أي عمل آخر بمائة عام"، كلمات كهذه قادرة على إقناع أي شاب بدخول هذه "الشبكة" والتوقف عن البحث عن وظيفة مناسبة في مجال تخصصه.
شركات تمتهن إجراء عمليات غسيل أدمغة الشباب، تستهدف في حملاتها التسويقية الخريجين الجدد والذين ما زالوا يبحثون عن عمل مناسب لشهاداتهم، يتم الاشتراك بقيمة 500 دولار، والربح 50 دولار عند الاشتراك كجائزة تحفيزية، ومن ثم يتضاعف هذا الدخل بناءً على عدد الأشخاص الذين سينضوون تحت مظلة ذلك الشخص ليدروا له دخلا في كل شهر يبدأ من 200 دولار إلى ما لا نهاية له "كما تدعي الشركة".
*التسويق الشبكي ..
التسويق الشبكي، هو المصطلح الذي يصف هيكل التسويق، مصمم على شكل شبكة لإنشاء قوة في التسويق والمبيعات عن طريق إمكانية الربح للمروجين لمنتجات الشركة من خلال ترويجهم، ليس فقط من خلال المبيعات الشخصية المباشرة، ولكن أيضا بالنسبة للمبيعات من المروجين الآخرين الذين التحقوا بالعمل عن طريقهم، وخلق شبكة من الموزعين والتسلسل الشبكي للمستويات المتعددة للربح في شكل شبكي، فهي لا تتخذ من الإعلانات سبيلا لها للانتشار، بل عن طريق عملاء مستقلين أو ممثلين مستقلين للشركة قاموا بتجربة الشركة والشراء من منتجاتها، وبمجرد الشراء حصلوا على فرصة عمل مع الشركة من خلال تسويقهم الشفهي "الدعاية الكلامية" Word of Mouth لهذه المنتجات.
*الشبكة ..
في التفاصيل، دخلت "العرب اليوم" إلى أحد الشركات التي تمتهن التسويق الشبكي، أو ما يعرف بالبيع المباشر، والتقت بعدد من العاملين بهذه الشبكة، وعرضوا آلية عمل الشركة، التي تملك حسب عاملين فيها 13 خط إنتاج، "ساعات ومجوهرات وأساور الطاقة وكريمات تنحيف وغيرها العديد من المنتجات" التي تعد أهم مميزاتها أنها لا يمكن تسويقها بسهولة.
أحد الشباب الذين التقت معهم "العرب اليوم"، قال إنه خريج جامعة حكومية ويدرس هندسة العمارة ويعمل الآن مع الشركة بعيدا عن مجال تخصصه ليجمع ثروته بعد 10 سنوات ويفتتح مكتبا هندسيا يبدأ به رسم مستقبله، وبدا مقتنعا بالشركة على أنها ستقدم له ما لم يقدمه أحد وأن مردود الشركة كاف ليحدد هو خياراته ولا تمليه عليه ظروفه.
الأمر الأبرز هو أن معظم العاملين هناك في الشركة لا يتقاضون أكثر من 50 دولارا شهريا وهي الجائزة التحفيزية فقط ومن استطاع إقناع شاب آخر فتقاضى عليه 50 دولارا أخرى، إضافة إلى أن هذه الشبكة تعطي دورات متخصصة في التسويق الكلامي والبيع المباشر للعالمين البارزين فيها، ليتمكنوا من جلب آخرين يدروا للشركة مزيدا من الأرباح.
وتعرض الشركة كأحد المميزات الذي تتمتع بها أن فروعا عديدة في 160 دولة أخرى ويمكن للعضو فيها ممارسة نشاطه التسويقي حتى خارج الأردن، إلا أن جميع الدول التي ذكرتها الشركة تعمل على إغلاق جميع شركات البيع الشبكي وكان آخرها مصر والتي أغلقت قبل أيام 5 شركات تسويق امتهنت النصب والاحتيال على المواطنين وجمعت ثروة تقدر بـ 9 مليار دولار بحسب وزير الداخلية المصري.
*الضحايا ..
الجدير ذكره أن حجم المتضررين من هذه الشركة كبير جدا فمنهم من اضطر لدفع مبلغ 500 دولار وعجز عن التطبيق، وهناك عدد قليل من المستفيدين وهم من مؤسسي الشركة ولا يتجاوز عددهم 20 شخصا وتتمثل فائدتهم بعدد الأفراد الذين استطاعت الشركة القيام بإقناعهم.
أحد المتضررين من هذه الشركة - رفض الإفصاح عن هويته - قال إنه بعد حديث امتد لساعتين مع أحد كبار العاملين في الشركة أقنعه بالاشتراك وأن يكون مسوقاً لها ليصبح لديه دخلا متزايدا وأخبره أنه "كلما نجحت في إقناع الناس بشراء مُنتجات الشركة، تحصل أنت على عمولات مُتراكمة، وكلما قام الأشخاص الذين أقنعتهم، بإقناع المزيد من الأشخاص الآخرين، حصلت أنت أيضاً على عمولات غير مُباشرة من وراء هؤلاء الأشخاص الجدد فى هذه الشبكة"، مؤكدا أنه كلما حدّث أحدا عن الشركة سخر منه وأخبره أنها أحد أحدث طرق الاحتيال في الأردن.
ولفت أيضا إلى أنه وأثناء محاولاته لتسويق منتجات الشركة، واجه صعوبة بالغة، حيث إن السلع التي تقدمها الشركة لا تلاقي رواجا بين المواطنين ولا تعد سلعا أساسية أو حتى كمالية، فهي على حد وصفه سلع إضافية "لأصحاب الملايين" الذين يشترونها من ماركات بعينها.
أحمد مصطفى، قال إنه تم جذبه للعمل مع الشركة عن طريق اتصالات عشوائية تقوم بها أحد الشركات، قبل أن يذهب لمقابلة أحد العاملين فيها ويقنعه بمبدأ الشركة، مؤكداً "اكتشفت أن هذه الشركة نصبت عليّ بعد مرور حوالي شهر من دفع مبلغ 700 دينار أردني ثمن تذكرة سياحية اكتشفت أنها تضمنت فقط الإقامة بالفندق ولم تتضمن تذاكر الطيران، وبعد مرور حوالي 3 أشهر لم أستطيع جذب أحد للعمل معي في الشركة بعد تأكيدات كل من أحدثهم عنها أنها شركة تمارس النصب المبطن".
*مسؤولية الحكومة..
من جهته قال الخبير الاقتصادي عبد المنعم عاكف الزعبي إن الحكومة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة، المطلعة على هذا النشاط "المشبوه" تتحمل المسؤولية في الدرجة الأولى، متسائلا عن الجهة الرقابية على هذه الشركات والنظام الذي يحكم عملها.
وأكد أنه أكثر ما يثير الشبهة في آلية عمل هذه الشركات هو المبلغ الابتدائي الذي يدفعه الضحية في بداية عمله، إضافة إلى ما يحصل عليه من نقاط وحوافز نتيجة تجنيد المزيد من الضحايا حتى لو لم يفلحوا بالمهام الموكلة اليهم، وبمعنى أن الشركة مهتمة بـ 500 دولار التي يدفعها المبتدئ أكثر من اهتمامها ببيع مستحضراتها وبضائعها.
وأضاف الزعبي "من ناحية قانونية، من الغرابة أن تقوم شركات بأخذ مبالغ من المواطنين على أنها رأسمال مشروعاتهم من دون وجود جهة رقابية كما هو الحال في السوق المالية والبنوك، وبما يعني أن أصحاب هذه الشركات قادرون على مغادرة البلاد بكامل المبالغ المحصودة من المواطنين في أي وقت مخلفين وراءهم خرابا اقتصاديا واجتماعيا قد يصعب تداركه".
وقال الزعبي إن هذه القضية تعيد إلى ذاكرتنا بقضية البورصات التي تسببت بنكبة اقتصادية واجتماعية قبل أعوام، مع الأمل أن لا تترك الحكومة الأمور منفلتة حتى نصل إلى النتيجة نفسها.
وأضاف أن الإعلام بصوره كافة المكتوب والمرئي والمسموع مطالب أيضا بتناول هذه القضية بكثافة وتوعية المواطنين حول هذه الأنشطة "المشبوهة".
*أصحاب الاختصاص ..
وأكدت المتخصصة في شؤون التسويق غدير العناني أن معظم ضحايا هذه الشركات من طلاب الجامعات والخريجين الجدد، مؤكدة أن نظام التسويق الشبكي الذي تطبقه هذه الشركات قائم على النصب والاحتيال على العاملين.
وأشارت في حديثها لـ "العرب اليوم" أن هذه الشركات تعد بمثابة شبكات منتشرة في أغلب دول العالم، بحيث تضع الشركات خطة لكل بلد ومن ثم تغلق مكاتبها أو يتم كشفها من القوى الأمنية ويحال مالكوها إلى القضاء.
وعن الأردن قالت: إن عددا من هذه الشركات التي تمارس التسويق الشبكي وتحصل على ترخيص حكومي هي تحت مسميات شركات إعلان وتسويق، مشيرة إلى أن هذه الشركات تستقطب أساتذة في الجامعات كونهم قادرين على جلب عدد كبير من الطلبة لإيقاعهم في وهم "الثروة".
وحذرت من العمل مع هذه الشركات كونها لا تقدم ضمانات للعاملين فيها ويمكن إغلاق مكاتبها في أية لحظة سواء من مالكينها أو من قبل الأجهزة الأمنية بعد كشف التلاعب في "التسويق الشبكي".
*الأمن العام : لا تهاون مع شركات تمارس عمليات الاحتيال..
من جانبه أكد الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الرائد عامر سرطاوي أن الأمن العام يتعامل مع هذه الشركات - في حال وجود شبهة نصب – كمعاملة قضايا النصب والاحتيال ويتم إحالتها إلى القضاء المختص، مؤكدا أن مديرية الأمن العام لا تتهاون مع أية شركة تمارس عمليات نصب واحتيال على المواطنين.
* الإفتاء يحرم...
وفي الجانب الديني، قالت دائرة الإفتاء العام إن أسلوب التسويق الشبكي وأخذ العمولات عليه لا يعد من باب السمسرة الشرعية، بل هو من باب الميسر والمقامرة المحرمة؛ لأن المشتركين عادة لا يشتركون إلا بغرض تحصيل المكافآت على إحضار زبائن آخرين، فإذا جلب المشترك عددًا من الزبائن، وحقق شروط الشركة، أخذ عمولته التي قد تزيد أو قد تنقص عن المبلغ الذي دفعه ابتداء، وإذا فشل خسر المبلغ كله، وهذا الاحتمال يُدخِلُ المعاملة في أبواب الغرر والميسر.
وأما إدخال البضاعة فلا يقلب المعاملة إلى الحِل؛ لأن الغرض منها هو التوصل إلى المال، وليست مقصودة لذاتها، بدليل أن ثمنها المعروض في الشركة أغلى من قيمتها الحقيقية في السوق، وبدليل أن المساهم في هذه الشركة إنما يطمع في المبالغ المتحصلة من عمولات الزبائن التي قد تفوق قيمة تلك البضاعة.
وحتى لو قصد أحد الأفراد تحصيل البضاعة المباعة لذاتها، فإن الوضع العام للشركة لا يقوم على أساس المتاجرة بها، بل على أساس تجميع أكبر قدر من المشتركين، وإطماع الطبقة العليا من الشبكة الهرمية بالمكافآت، على حساب الطبقة الدنيا التي هي الأكثرية من الناس الذين لا يحصلون على شيء، وهذا يعنى وجود قلة غانمة من الناس على حساب أكثرية غارمة. وكفى بهذا فسادًا وإفسادًا.
*حملات مضادة على الفيسبوك..
بعد وقوع عدد كبير من الضحايا في مختلف العالم العربي أطلق عدد من ضحايا هذه الشركات صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، أطلقوا عليها اسم "نصبوا عليّ" وأخرى سميت "معا ضد النصب والاحتيال - ضد التسويق الشبكي" تركزت مهام هذه الصفحات في توعية الفيسبوكيين من مخاطر العمل مع هذه الشركات وآلية النصب التي تمتهنها وفتاوى شرعية تؤكد عدم وجوب العمل معها.
* النموذج المصري..
أعلنت وزارة الداخلية المصرية ارتفاع عدد الشركات التي تم ضبطها بتهمة النصب على مواطنين، والحصول على أموال منهم بحجة استثمارها في مجال التسويق الشبكي عبر الإنترنت، إلى 8 شركات بالقاهرة، والمحافظات، وضبط القائمين علي هذه الشركات، لتحصلهم على 96 مليون دولار من مواطنين.
وقال اللواء نجاح فوزي، مساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة، في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا، إن الأجهزة ضبطت 8 شركات تعمل في مجال التسويق الشبكي عبر شبكة الإنترنت، وإنه تم القبض علي المتهمين القائمين علي إدارة تلك الشركات، بإجمالي مبالغ محصلة من آلاف المواطنين بلغت حوالي 95 مليون و752 ألف دولار.
وأضاف أن الفترة الأخيرة شهدت انتشار واسع لنشاط التسويق الشبكي، والشركات العاملة به من خلال دعوات لتلقي الأموال ببعض المواقع على شبكة الانترنت في شكل مشروع ترويجي لبعض السلع، والمنتجات، وأعمال السياحة.
وتابع: هذا النشاط قائم علي فكرة البيع المباشر للشخص، والمشتري يجذب آخرين للاشتراك مقابل أرباح وهمية، لافتًا إلى أن العديد من المواقع على شبكة الإنترنت استقبلت هذه الفكرة وبدأت تمارس هذا النشاط من خلال منظومة دون أن تكون هناك سلع.
وأكد أنه رغم ضبط العديد من هذه الشركات، إلا أنه لازالت هناك مواقع نشطة تجذب المواطنين للاشتراك بها، مشيرًا إلى أن المواطنين يلبون الدعوات، ويدفعون أموالًا قد يكون البعض منهم اقترضها، والنشاط يقوم علي دفع الضحية للمشاركة فيه، ويصبح من المروجين له، لافتًا إلى أن المجني عليه له دور كبير في فرصة النصب، والاحتيال عليه، وأحيانًا يكون شريك.
وأشار إلى أن أجهزة الأمن ضبطت 8 شركات في الفترة الأخيرة، آخرها تم ضبطها، السبت، وهذه الشركات هي: «تو ديل، وريفولوشن، وجلوبال آد مارك، وسى يور واي، واليانس كونتنينتال، وماي رايت آد، وأوبيس، وتي في آي إكسبرس»، وعن آخر شركة تم ضبطها «تي في اي اكسبرس».
العرب اليوم - أنس ضمرة