لو أن استطلاع واشنطن بوست، الذي وضع الأردن بالترتيب الثالث عالميا في مؤشر العنصرية، شمل الاحتلال الإسرائيلي، لاتفقنا مع النتائج التي خلص إليها بالكامل.
لكن أن تأتي هذه النتائج ولم يشمل الاستطلاع إسرائيل، فإن ذلك تغيير للحقيقة واستخلاص غير دقيق، بحاجة للتوقف والتفكير في نتائج الاستطلاع نفيا أو تأكيدا، بحسب الواقع القائم.
بحسب الاستطلاع، فإن الأردنيين عنصريون، ولا يبدون تسامحا مع الأعراق الأخرى، وسبقهم في العنصرية كل من سكان هونغ كونغ وبنغلادش، حيث يفيد 51 % من عينة الاستطلاع أنهم لا يقبلون جيرانا أجانب ومن أعراق أخرى.
النتيجة خطيرة، لكن هل هي صحيحة؟ وهل الأردنيون عنصريون ومتعصبون وغير متسامحين؟الإجابة متباينة، ففي الوقت الذي تتوفر فيه كثير من الأدلة التي تنسف نتيجة الاستطلاع، نجد قليلا من المسلكيات المضادة، ولكنها لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة.
والعنصرية تستند إلى الكثير من الاختلافات المزعومة، مثل لون البشرة، القومية، اللغة، المعتقدات، الثقافة والعادات، بحيث يتم التمييز ضد مجموعة من البشر بناء على أحد المعطيات السابقة.
وكل العناصر السابقة والاختلافات المذكورة غير موجودة بين مكونات المجتمع الأردني، وما يثبت أن الأردن ليس بلدا عنصريا يتضح من خلال التدقيق بتاريخ هذا البلد الذي استقبل مهجّرين كثرا، وتعامل مع أكثر من موجة لجوء، بحيث نستشف أن الأردنيين ليسوا عنصريين، بل على العكس تماما، هم شعب قادر على قبول الآخر.
في الأردن، تعايشت العشائر الشرق أردنية مع الشركس والشيشان، ثم استقبلوا موجة اللجوء الفلسطينية الأولى العام 48، وبعد ذلك كان النزوح في العام 67، وبين اللجوء والنزوح وما قبلهما، جاء كثير من أبناء القوميات الأخرى، كالأرمن والأكراد، وغيرها.
وموجات الهجرة لم تتوقف، وجاء أكثر من نصف مليون عراقي وأقاموا في الأردن، تلاهم السوريون وعددهم اليوم يفوق 500 ألف لاجئ، والتوقعات تشير إلى أن عددهم قد يناهز مليون لاجئ مع نهاية العام.
ويكفي نظرة سريعة إلى عاصمة الأردنيين، مدينة عمان، ولكيفية نشوئها وتطورها على أيدي العديد من أبناء القوميات غير العربية، والجنسيات غير الأردنية، بالاشتراك مع سكان المنطقة، لندرك أن "وصمة" العنصرية لا علاقة لها بالأردنيين.
والتعايش الديني في الأردن أنموذج عالمي، إذ يتواجد التنوع بين طوائف الدين الواحد، والأديان الأخرى، ولم تشهد المملكة أي صدام ذي طابع ديني على مدى تاريخها.
بالفطرة الأردنيون ليسوا عنصريين، لكن الظروف الضاغطة، وتحديدا الاقتصادية، قادرة على خلق بعض السلوكيات ضد الآخر، وما يحدث اليوم حيال السوريين خير دليل على ذلك، إذ ارتفعت وتيرة الشكوى من تواجدهم بعد أن أثّر وجودهم على المستوى المعيشي للمواطن الأردني.
;وفي أوقات الرخاء والظروف الاقتصادية المريحة لا نلمس أي نَفَس "عنصري"، لكن كلما تردى الوضع المالي للفرد واتسع مدى المشاكل الاقتصادية، خصوصا ذات البعد الاجتماعي، مثل الفقر والبطالة، يطفو بعض من تلك التصرفات، والمبرر أن كل طرف يسعى لتحميل الآخر مسؤولية سوء أحواله.
وتلعب السياسات الرسمية في التعامل مع مكونات المجتمع في بعض الأحيان دورا كبيرا في خلق بيئة مواتية لمعاداة الآخر والتمييز ضده، بحيث تتوفر لكل طرف أسباب تقنعه أن الظلم الواقع عليه إنما ينجم عن وجود الآخر، وليست هذه حالة عامة، بقدر ما هي موجات تصعد وتهبط بحسب الظروف القائمة. لكن، في المحصلة، ما يحدث في الأردن، لا يقارن بما يجري في دول أخرى تنخرها العنصرية، وإلا بماذا توصف ممارسات إسرائيل تجاه فلسطينيي الـ48، وهل الحديث عن يهودية الدولة يمكن قراءته خارج العنصرية، وماذا يقال عن اليمين المتطرف في أوروبا، الذي يتبنى أفكارا متطرفة تشمل معاداة الإسلام؟المجتمع الأردني، بالأغلبية، لا يعاني من مشكلة العنصرية، رغم ما نشهده من أصوات تخرج من هنا أو من هناك، تسعى لبث الفتنة والتفريق، والوعي المجتمعي ضرورة للرد على هذا الموال الذي يعزفه البعض من وقت لآخر، كل لأسبابه.
(الغد)