رسائل ونصائح إلى الشباب (8)
د. معن ابو نوار
18-05-2013 10:08 PM
على الشاب أن يعي أن ذكرياته الطيبه طول حياته عزيزة جدا عليه ؛ فهو يحبها ؛ يأنس إليها ؛ يرتاح كثيرا لإستعادتها. لا يستغرب الشاب إن قلت له أن أهم الذكريات التي إنعرست في أعماق وجداني هي ما أذكره عن الشهداء الأبرار من ضباط وضباط صف وجنود الجيش العربي الأردني خلال تشرفي في الخدمة في القوات المسلحة الأردنيه .
وأقول للشباب الأردنيين بكل صدق وأمانه بأنني ما عرفت في حياتي عبر خمسة وثمانين عاما من عمري رابطة أقوى ولا أحب إلى نفسي من رابطة الأخوة في السلاح ؛ فهي الرابطة الصادقه المخلصة الحقيقيه . الأخوة في الجيش ؛ في الفرقه ؛ في اللواء؛ في الكتيبه ؛ في السرية من أحب الأخوة إلى قلبي ؛ نعم أحببت الذين سبقوني في الخدمه ؛ وأحببت الذين خدمت معهم ؛ وأحب الذين يخدمون الآن محبتي لأسرتي المباشرة أولادي وإخواني؛ لا فرق في مشاعري نحوهم ؛ هكذا حال الخدمة العسكريه ؛ وهذا هو عمق الأخوة في السلاح ؛ وأنصح كل شاب أردني أن يخدم جلالة سيدنا الملك عبد الله الثاني بن الحسين ووطننا الحبيب ؛ فيخدم ولو سنة واحده في القوات المسلحة لأردنيه.
وأقول لكل شاب أردني أن أهم وأعز الذكريات التي إنغرست في أعماق وجداني هي ذكرياتي عن الشهداء الأبرار. وقد يستغرب الشاب ذلك لأنه يعتقد أن ذكريات الموت ليست محببة إلى النفس ؛ بل هي عادة تدعو إلى الحزن والأسى ؛ لكنها ذكريات عن الموت في سبيل الوطن؛ وهي ذكريات عن الحب العظيم للشهداء الأبرار؛ وهي ذكريات عن حب الشهيد لوطنه ومواطنيه وعقيدته وشرفه وأمانته على أعلى ما يكون عليه الحب من سمو ونبل ؛ لأنه حب يعطي الحياة وكل شيء ؛ ولا يأخذ شيئا ؛ حتى حياته يعطيها عن طيب خاطر وبكرم وسخاء ليس لهما نظير. هذا هو الحب الحقيقي الذي لا يضاهيه حب آخر.
أذكر يا عزيزي الشاب كتيبة المشاة الثالثه من الجيش العربي الأردني عندما كنت أحد أركان قيادة اللواء الأول التابعة له ؛ يوم كانت على وشك الهجوم مع سرية من الكتيبة الخامسة على موقع قرب جمعية الشباب المسيحيه في القدس الشريف عام 1948 ؛ وطلبت من قائد اللواء أن أرافق الهجوم. فوجدت نفسي بين النشامى وهم ينتظرون ساعة الصفر لبدء الهجوم . وشعرت بالخوف ؛ وأرجو كل شاب أن لا يصدق إنسانا يدعي أنه لم يشعر بالخوف أبدا ؛ فهو يكذب ؛ وعليه أن يصدقه إن إدعى أنه شعر بالخوف ولكن إستطاع أن يسيطر على نفسه وتصرفاته تحت ظل الخوف.
وعندما بدأ الهجوم نسيت الخوف لأنني إنشغلت بغيره ؛ وشاهدت الضباط وضباط صف وجنود الكتيبه يقاتلون وكأنهم في حصة تدريب ؛ يحاربون بمقدرة وكفاءه وإقدام ؛ وسمعت أحد الجنود يهزج بأعلى صوته:
طبريا ودير ياسين ؛
إن ذلينا مين يهوش ؛
يا أبو خديد منقوش.
عرفت أنه يذكر إخوانه بثأر طبريا ودير ياسين اللتان هاجمتهما قوة إسرائلية مجرمه وقتلت حتى النساء والأطفال فيهما. وهو يعتز بهما ويقول : إن نحن قبلنا الذل من الذي يحارب؟؟؟. كأنهم وحدهم الرجال المقاتلون. ويذكر زوجته أو أخته أو خطيبته منقوشة الخد .. مفاخرا .. مخاطبا.
وسقط نشمي صريع صلية رشاش ؛ ورأيت الدم يتدفق من صدره ؛ ومر به جندي آخر ربت على خوذته الفولاذيه وتابع الأنشودة الحبيبة منشدا.
إبشر بأمك لا تخاف
أبشر بأمك لا تخاف
إبشر بامك لا تخاف.
ويعني بذلك : إبشر بالشهاده .. والشهادة أمه الحنون .. التي لا تخيف ؛ ولكن الوصول إليها بشرى وفرح؛ وصدق سبحانه وتعالى:
"وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ * أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ."
ما نسيبتها أبدا ؛ وهي معي حية دائما ؛ كلما تذكرت القدس الشريف أذكرها ؛ وكلما أخذني الحنين إلى أخوة السلاح أذكرها ؛ وكلما شاهدت ضابطا أو ضابط صف أو جنذي من قواتنا المسلحة أذكر تلك القصة الحبيبة إلى روحي ونفسي.
يا عزيزي الشاب ستبقى حياتك ناقصة إن لم تخدم قواتك المسلحه وتجرب أخوة السلاح.