" الحدث السوري " في عرين عمان ..
د.حسام العتوم
18-05-2013 03:29 PM
في كل مرة يعلن فيها عن جلسة لأصدقاء سوريا ( الشعب وليس النظام ) بالطبع يخطر ببالي مصطلح سوريا ( النظام والشعب ) , ومصطلح آخر يدعو النظام في دمشق لتشكيل خلوة لأصدقائه كان ولا زال عاجزا عن تشكيليها قبل وبعد ربيعه من وسط العرب ومن دول جواره لا فرق .
على غرار دول البريكس سابقا مثلا , فلماذا تصرفت سوريا على أنها دولة منغلقة على ذاتها رغم نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي ولم تغرق بالديون , بينما ظهر أصدقاؤها واستبدلوا مواقعهم حسب تبدل المصالح وتشابكها ووسط الحرب الباردة بين الشرق والغرب وبالعكس ووسط أتون خط المقاومة الذي انتهى بحق الدفاع عن النفس فقط وربما أقل ؟! ولقد جهزت سوريا نفسها قبل وبعد حرب تشرين 1973 لتدافع عن تراب الوطن السوري الواحد ولتعيد الجولان المحتل الذي استطاعت أن تعيد منه وبجهد ( أردني ومصري وعراقي وروسي وسوفيتي ) مدينة القنيطرة , وأصبح لديها الآن ثاني أو ثالث أقوى جيش يمتلك السلاح الفتاك التقليدي وغيره ( الكيماوي ) بعد إسرائيل وإيران , وهنا لا أتحدث عن المهنية القتالية التي قد تعيد حساباتي إلى الخلف , فلماذا اختلف النظام السوري مع شعبه عندما جرى الحديث بينهما عن الإصلاح ؟! ولماذا لم يتم الاعتراف بالمعارضة الوطنية المسالمة عندما أطلقت العنان لحراكها ؟ وماذا لو تم استيعابها في السلطة بدلا من انفراد ( البعث ) بها ؟ ولماذا هو الانقسام في الشارع السوري الآن بعد أن وقع الفأس بالرأس وتوسعت دائرة القتل والتشريد ؟ ومن هي الجهات المسئولة عن هذه الصورة السوداوية هنا في الجوار الآن ؟ومن سمح للطابور الخامس الديني المتطرف بقيادة القاعدة وجبهة النصرة وغيرها من أقاصي بلاد العالم وتحديدا من آسيا وإفريقيا وبلاد العرب بدخول الحدود السورية خاصة من الشمال التركي ؟ أين هي أجهزة الأمن السورية المحترفة التي كانت تدقق في جوازات سفر الصحفيين العرب وغيرهم وتمنع القادمين من فلسطين في زمن جوازات السفر المزورة (الفوتوشوبية ) وغيرها الصحيحة متعددة الأقطار ؟ أليس كل بلدان العرب تعاني من آفة الفساد الخطيرة الناخرة في مسيرة التنمية العربية ؟ ثم لماذا لم يجتمع زعماء العرب مع أسد دمشق وبشكل جماعي ولو مرة واحدة بدلا من الاصطفاف وراء تحالفات أمريكية أو تركية وغيرها ؟ هي أسئلة كثيرة يمكننا طرحها وسط تقاطع التحالفات التركية والأمريكية والروسية والعربية لنصل إلى إجابات ناجعة في قلب لهيب العنف والنار هنا في الجوار السوري ذو الأسباب الاقتصادية أيضا ذات العلاقة بغاز قطر وبترول سوريا نفسها , فهل نجحت موسكو وبكين حقا في لجم هيجان الناتو الجاهز كما تنظيم القاعدة لهدم أي نظام لا ينسجم مع سلوكه السياسي كما حدث في العراق وليبيا ؟ وهل سينجح أصدقاء سوريا في عمان ومن دون حضور المعارضة في إقناع سلطة دمشق في المشاركة في جنيف (2) مطلع حزيران القادم ؟
يتضح لنا حتى الآن أن الخلاف بين المحورين العربي ( الجزئي ) والتركي والأمريكي من جهة والروسي والإيراني والسوري والحزب اللاتي من جهة أخرى ليس على بقاء الأسد أو نظامه فقط بل على تطبيق القانون الدولي ومنه الإنساني بدلا من ممارسة شريعة الغاب من خارج ومن داخل سوريا , ولا بديل للأسد ولرمزيته حتى الآن كما قال رئيس وزرائنا الأسبق الدكتور عبد السلام المجالي قبل أيام , وأضيف هنا في ظل ضعف أداء المعارضة الوطنية واختلاط أوراقها بملفات الحركات الدينية المتطرفة الواردة إلى البلاد السورية من كل حدب وصوب تحت مسميات مختلفة , والخوف من البديل القادم تحول إلى إقليمي ودولي , وإسرائيل أكثر دول المنطقة رعبا وهي لا تخجل من توجيه ضربات استباقية غير مشروعة في العمق السوري وتكرر ذلك وتحاور في السياسية الدولية حفاظا على أمنها أولا وأخيرا ، وهي غير أبهة بجر سوريا لمعركة محقة بالاشتراك مع الناتو ذاته ، والأيام التي تفصلنا عن زيارة الرئيس أوباما لإسرائيل ليست ببعيدة التي أعلن فيها إن أمريكا هي أقوى دولة في العالم ، وبأن إسرائيل هي أقوى دولة في المنطقة، فلماذا المبالغة في الخوف إذا ما دامت إسرائيل دولة عسكرية نووية وحيدة في الشرق الأوسط ؟
الأردن لم يتورط في الحدث السوري كما يقول سفير دمشق في عمان السيد
"بهجت سليمان " ، ولم يورط من قبل إي جهة عربية أو دولية ، ولم يتاجر به كما يحلو للمحللين من فاقدي البصيرة ومصدري الإشاعات ، وهو أذكى من أن يجر إلى وسط أتون عنف أو معركة هو ليس طرفا فيه وإنما أحترم معاهدة جنييف الخاصة في شؤون اللاجئين وقت النزاعات المسلحة المجاورة ، ولبى النداء القومي العربي لاستضافة المشردين من أهلنا السوريين ، وبادر في تقديم النصائح لدمشق لكي تستبدل الخيار الأمني والعسكري بالسياسي ، ولا زال الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني يصر على إيجاد مخرج سياسي ودبلوماسي لأزمة دموية خانقة أرهقت كل السوريين والعرب وأهم دول العالم ، فما هو المخرج الأمن الآن ؟ ولماذا هي دمشق تشكك في دور الأردن بدلا من شكره ومصادقته؟
ها هي حدودنا مع سورية الشقيقة محصنة بقدرة جيشنا العربي الأردني الباسل وحرس الحدود من فصائل البادية وغيرهم أكثر من أي وقت مضى ، ولا تصدير ولا تدريب للمشردين من إخوتنا السوريين كما يشيع الأعلام الأصفر ، والضغط على البينة التحتية الأردنية ومنها الشمالية بازدياد جراء التدفق البشري الناجم عن صدمات حروب شوارع المدن السورية وحديث عن قرابة المليون الملاجئ ، ومع هذا نتقاسم أردنيا الصبر ورغيف الخبز مع إخوتنا السوريين وننتظر معهم يوم الفرج ونؤكد من جديد بأننا لسنا طرفا في الصراع الدائر ونعمل من اجل إحباط مخطط سايكس بيكو الجديد ومرتدي قناع (الربيع العربي ) الذي نريده لبلدنا أخضرا فقط .
فلاينت ليفريت يشير في كتابه ( وراثة سورية ) ص 314 بأنه تم انتخاب الرئيس بشار الأسد عبر استفتاء وطني وحصل على 97.29 % من الأصوات تاريخ 11/7/2000،
فكيف ستكون نتيجته الرئاسية عام 2014 إذا ما أردا أن يرشح نفسه أو أرادت ذلك حاشيته العائلية أو الحزبية الضيقة من الحرس القديم المحسوبة على والده الراحل حافظ الأسد وفق انتخابات نزيهة وتحت مراقبة دولية ، وإذا ما سمح له المجتمع الدولي بذلك أيضا بعد ارتفاع عدد القتلى إلى حوالي المائة ألف والتشريد إلى أربع ملايين إنسان ، ورغم كل ما أنجزه لسوريا من دستور واقتصاد حر ، ورغم أنه ونظامه لا يتحملون وزر كل الأرقام المرعبة سابقة الذكر في ظل تغلغل الحركات المتطرفة القادمة من الخارج ، وفي كتاب أخر لـ ستيفن هايدمن بعنوان (التسلطية في سورية ) ص 15
يشسر فيه لأحد الخبراء الأمريكيين البارزين قوله ( إن صعود بشار الأسد السريع والسلمي والمنظم خادع ، وسوريا خلال الأشهر القادمة على الأرجح ستكون أي شيء ماعدا أن تكون مسالمة ومنظمة ، وهنا أعلق بأنني كنت من المراهنين على نجاح الأسد الشاب في قيادة الوطن السوري إلى بر التقدم والأمام ، لكن فجوة حصلت بينما التمسك بالقديم والتجديف اتجاه الديمقراطية المنشودة ( دمقرطة الدكتاتورية ) شكلت السبب الرئيسي لكل الإخفاقات إلى جانب عدم القدرة على توزين العلاقات وسط العرب وبين الشرق والغرب ; ويكتب رايموند هينبوش في كتابه ( سورية ثورة من فوق ) ص 31 (إن الآمال في أن بشار قد يحرر النظام السياسي ، بعد أن بدأ أنه يشجع مبدئيا ربيع دمشق خابت حين أتخذ النظام إجراءات صارمة ضد المعارضة السياسية السريعة النمو ، وهنا أعلق من جديد بأن هذا التوجه هو مربط الفرس السلبي الذي دفع بإعصار الأحداث المؤسفة أن تعلي ألسنتها فوق سماء سوريا ، فالعصرنة لا تعني التشدد ، والحكمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكمن ببعد النظر وليس في قصره ، وحتى نظرية إعادة البناء (لغورباتشوفيه)لأنها لم تلامس الواقع عبر الديمقراطية فشلت وهدمت أعتى إتحاد سوفيتي عرفه التاريخ، والأصل هو استيعاب المعارضة الوطنية والجلوس والتحالف معها لطرد الفصائل الدخيلة الخارجية هادمة الحاضر والمستقبل السوري والعربي والشرق أوسطي ; يكتب عبد الباري عطوان في كتابه ( القاعدة ) ص 355 ، بأن المؤسسة العالمية للدراسات الإستراتيجية IISS أفادت عام 2007 بأن جوهر القاعدة لا يزال قادرا على التأقلم والمرونة ، واستنتجت أن التهديد الناجم عن الإرهاب يبدو أنه متجه نحو الأسوأ ، وتعليقي الأخير هنا هو بأن التطرف الديني الذي يمارس الإرهاب أساء للدين نفسه وكل الأديان السماوية السمحة بريئة منه ، وفي رسالة عمان التي أطلقها سيدنا صاحب الجلالة ودعت للوسطية الدينية والمحبة والسلام إيجابه صريحة على كل أنواع التطرف ، ومع خالص دعواتي لسورية الوطن بالوحدة والاستقرار ، وحمى الله شعبه السوري العربي العظيم ، وأعاد للعرب وحدتهم وألقهم والله المستعان وهو من وراء كل قصد .