حقوق العاملين والحلول الغائبة
حسن الشوبكي
18-05-2013 10:46 AM
مسار الاحتجاجات العمالية والمطلبية في الأردن تصاعدي وحاد، في الوقت الذي ترغب فيه الحكومة بفترة لالتقاط الأنفاس، وتصويب تشوهات الموازنة تمهيدا لإعداد موازنة أخرى، تحاول تلبية بعض ما تضمنته تلك الاحتجاجات. لكن الواقع العملي يشير إلى أن منسوب المطلبية في ازدياد، ما يدفع الحكومة إلى التكيف مع تقلبات مالية دائمة، تمهيدا لإيجاد حلول تخفف من أزمات سرعان ما تتحول إلى تهديد، في أكثر من قطاع.
ثمة وجاهة في المقترح الذي قدمه الزميل النائب جميل النمري قبل أيام، بخصوص "هدنة" لمدة ستة أشهر، تتولى خلالها لجنة ثلاثية؛ حكومية نيابية قطاعية، دراسة كل قطاع، بحثا عن حلول تتعلق بالرواتب أو بتحسين شروط العمل وعلاقاته التي سادها التخبط في العقد الماضي، لاسيما الهرولة نحو الخصخصة بدون ضمانات لحقوق العاملين، ما فاقم أوضاعهم، حتى جاء الربيع العربي فكانت الفرصة سانحة للاحتجاج؛ وهو ما تعبر عنه الأرقام. ففيما كان عدد الاحتجاجات العمالية 149 احتجاجاً في العام 2010، فقد تضاعف هذا الرقم ست مرات في العام 2011، بواقع 829 احتجاجا، ثم تخطى حاجز 900 احتجاج في العام الماضي، وفقا لدراسة المرصد العمالي الأردني.
لكن لا أظن أن مقترح النمري سيلقى قبولا؛ فصوت الاحتجاج هو الأعلى والأكثر وضوحا منذ عامين، في ظل حالة عدم اليقين وانعدام الوزن التي تشهدها السياسات الاقتصادية الرسمية، فما الحل؟
ليس ترفا بالنسبة لمجلس النواب، والحكومة، والأحزاب، والنقابات وباقي مؤسسات المجتمع المدني، القيام بجهد صادق وواضح للوقوف على مشكلات الواقع العمالي والحقوق الضائعة، ومصادر التهديد لاستقرار الاقتصاد التي لا يعرف أحد متى تبدأ وكيف تتطور وإلى أي مستوى من الأزمة قد تصل. وهذا الجهد معني بتشخيص الحالة بشكل دقيق، ووضع الحلول وفق جداول زمنية تتيح للقطاعات الاقتصادية التنفس من جديد، كما تسمح للقوى العاملة باسترداد بعض ما فقدته في غفلة من الرقابة والتشريع وسوء الإدارة. فالأزمة عميقة في القطاعين العام والخاص، وإن كانت أكبر في الحكومة ومؤسساتها العامة والهيئات المستقلة. إذ شكلت حصة القطاع العام نحو نصف الاحتجاجات العمالية السنة الماضية، فيما بلغت نسبة احتجاجات العمال والموظفين في القطاع الخاص نحو 43 % من مجمل الاحتجاجات، وذهبت نسبة 7 % للمتعطلين عن العمل.
وفي مقابل سماح الحكومة للمحتجين بتنفيذ اعتصاماتهم وإضراباتهم ومسيراتهم، إذ لم تفضّ بالقوة إلا 31 احتجاجا، وبنسبة 3.5 %، من إجمالي 900 احتجاج العام الماضي، يبرز تهديد مؤسسات في القطاع الخاص لموظفيها في أرزاقهم إن هم احتجوا. فثمة مفارقة هنا بين القطاعين الخاص والعام في نسب الاحتجاج؛ إذ تمنح الحكومة هوامش أوسع منذ بدء احتجاجات الربيع العربي، في حين يختلف الأمر كليا بالنسبة للقطاع الخاص.
وفي حال تمت الهدنة التي يطالب بها النمري أو لم تتم، فإن الحكومة، ومعها باقي أركان الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، مطالبة بتحقيق نقلة في حياة العمال والموظفين خلال الفترة المقبلة، وبما يقدم إجابات حقيقية عن أسئلة تدني الرواتب التي تقابلها رواتب خيالية في ذات المؤسسات، بينما تتواصل معاناة معظم الأردنيين في عدم القدرة على مواجهة نكد العيش، إضافة إلى عدم شمول 44 % من العاملين في أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية.
ملف حقوق العاملين بكل تشوهاته مؤجل لزمن غير معلوم؛ فتتواصل الاحتجاجات، والحل غائب أو هكذا يبدو. وما إن تنطوي -شكليا- أزمة ما، حتى تطل أخرى برأسها علينا.
الغد