الإخوان المسلمون .. معضلة الحُكم
17-05-2013 06:31 AM
تقرير خاص - (الإيكونوميست)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة (الغد)
عمون - عندما اجتاح سرب من الجراد منطقة المقطم مؤخراً؛ الضاحية الفاخرة في العاصمة المصرية، والتي تضم مقر جماعة الإخوان المسلمين، كان المعلقون الفكاهيون قابعين في الانتظار. وكتب معلق "فيسبوك" شعبي ساخراً: "متحدث رسمي: الجراد ينسحب بعد وعد من الرئيس مرسي بتلبية جميع مطالبه"، ملمحاً إلى أنه بعد ثمانية أشهر قضتها في السلطة، فإن الحكومة التي تديرها جماعة الإخوان في مصر شكلت في حد ذاتها نوعاً من البلاء. وبعد فترة وجيزة فقط، هدد نوع مختلف من الأسراب مكاتب الحركة الإسلامية في القاهرة، حيث اختار عشرات من الشبان تلك البقعة لتقديم أداء فني ساخر لرقصة "هارلم شيك"، رقصة تحريك الحَوض التي اجتاحت العالم مثل الفيروس.
وليست مصر هي المكان الوحيد الذي يتعرض فيه الإخوان للهجوم في الوقت الحاضر، وليس فقط في شكل السخرية. فمن المحيط الأطلسي إلى الخليج، تواجه العديد من الجماعات الإسلامية السائدة المتحالفة مع، أو المستلهَمة من، أو المتعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين التي تأسس فرعها الرئيس في مصر في العام 1928، مجموعة من التحديات الصعبة. وفي بلدان ظلت حتى الآن بمنأى عن اضطرابات الربيع العربي، يمكن أن تأخذ هذه التحديات شكلاً مألوفاً: بدأت الإمارات العربية المتحدة، التي ما تزال ملكية مطلقة، محاكمة 94 من الإخوان المزعومين بتهمة التآمر ضد الدولة. ومع ذلك، تشكل هذه المحاكمات نوعاً جديداً مختلفاً عن معظم المحاكمات في باقي أنحاء المنطقة؛ إذ لم يكن السبب فيها هو الاضطهاد كما كان الحال في العقود الماضية، وإنما جاءت بها المسؤوليات والأعباء التي رتبها وصول الإخوان إلى السلطة.
في ذروة الربيع العربي قبل عامين، بدا من المستحيل إيقاف الإخوان. فقد جلبت الانتخابات التي آذنت بها أولى الثورات العربية فوزاً كبيراً لحزب النهضة، النسخة التونسية الليبرالية نسبياً من الإخوان، ولحزب الحرية والعدالة في مصر، العربة السياسية الجديدة لنسخة المدرسة الإخوانية القديمة. وفي الأثناء، كانت الثورات الأكثر عنفاً في ليبيا وسورية تتخذ طابعاً يزاد إسلامية باطراد، حيث كانت الشبكات المرتبطة بالإخوان، والمدعومة من الأصدقاء الأغنياء في الخليج، مهيمنة بوضوع في القتال، والتمويل، والتعبئة السياسية. ومع أن الحزب المرتبط بالإخوان في ليبيا لم يبل حسناً في الانتخابات العامة التي جرت قبل نحو عام هناك، فإنه ربما يكون قد أصبح أقوى منذ ذلك الحين.
وفي المغرب، عندما رأى الملك محمد السادس، ملك المغرب، وجهة الرياح، عمد إلى استباق الاضطرابات من خلال تسليمه الحكومة إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، الذي كان قد أبقاه سابقاً على مبعدة. وفي الأردن، بذلت الحكومة جهداً كبيراً لحرمان الإخوان فرصة السيطرة على البرلمان، لكنه ما يزال يُنظَر إليهم على نطاق واسع على أنهم المجموعة الأكثر تنظيماً في البلاد.
في الأثناء، كانت قناة الجزيرة التلفزيونية الفضائية في قطر، تصبح مؤيداً يزداد جسارة باطراد لقضايا الإخوان. وقد هللت برامجها التي تتمتع بالمشاهدة على نطاق واسع للانتفاضات، ومنحت وقت ظهور مخصوص ومميز للقادة الإسلاميين على الهواء. كما عرضت اثنتان من الدول القوية غير العربية؛ إيران وتركيا، نماذج بالغة التناقض من حكم الاسلاميين، حيث دعمت تركيا، المفضلة لدى الجزيرة، نموذجاً أقرب إلى الإخوان. ومن جهة أخرى، شرع دبلوماسيون غربيون بالتشجيع على التعامل مع الإخوان وقالوا إن الوقت حان لتبنيهم.
مقارنة بالعلمانيين المنقسمين في العالم العربي، غالباً ما ظهر الإخوان متماسكين ومنضبطين. وعادة ما بدوا أكثر إشراقاً وزهاء في مقابل الطرف الأغمق من الطيف الإسلامي. ويشمل ذلك، على الطرف البعيد، تنظيم القاعدة والجهاديين الآخرين، لكنه يشمل أيضاً السلفيين الأصوليين بين الأغلبية السنية المسلمة، بالإضافة إلى جماعات مثل حزب الله في لبنان أو أتباع مقتدى الصدر العراقيين بين الشيعة. وخلافاً لمعظم هذه الجماعات، كانت للإخوان دعوات طقوسية مخففة عموماً لتطبيق قانون الشريعة، أو لسحق إسرائيل، والتي اتسمت غالباً بالصبر والبراغماتية. وكان مبعوث غربي في مصر قد قال مطلع العام الماضي: "في الأساس، يشكل الإخوان اللعبة الوحيدة في المدينة".
هذه الموجة الفائزة على ما يبدو، بدت وأنها تبني، بشكل طبيعي، على النجاحات السابقة للإخوان وأبناء عمومتهم حيثما وجدوا مساحة للمناورة. كانت حماس؛ الفرع الفلسطيني للإخوان، قد فازت بشكل رائع في الانتخابات التي جرت في المناطق الفلسطينية في العام 2006، وفي العام التالي أخذت السيطرة على غزة بالقوة. كما قدمت فروع الإخوان أداء قوياً منذ التسعينيات في الانتخابات في كل من الأردن والكويت والعراق والبحرين. وقبل ذلك، كان الإخوان قد استولوا على السلطة في السودان في وقت مبكر هو العام 1989 عن طريق انقلاب (لكنهم فقدوها في وقت لاحق) وكانوا سيحوزون السلطة بأغلبية الأصوات في الجزائر في العام 1991، لو لم يقم الجيش بقلب الطاولة والانخراط في حرب أهلية دامية من أجل وقفهم.
ومع ذلك، تبين في الآونة الآخيرة أن تحركات الإخوان، وهم خارج المنفى، خارج السجن، خارج الشقق الضيقة التي كانت تتنصت عليها الشرطة السرية للأنظمة القديمة، ليست سهلة أيضاً. وقد عادت انقساماتهم الداخلية إلى الظهور. وفي وقت سابق، وسط الانفراجة الطفيفة في السياسة المصرية، والتي سبقت ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، كانت عملية تطهير قام بها الإخوان المحافظون قد أطاحت بالعناصر ذات العقليات الأكثر حداثة من القيادة. وقد عمل بطء الإخوان المسنين في احتضان الثورة، وتفضيلهم اللاحق للتعامل في الغرف الخلفية مع المؤسسات التي ظلت قوية من "الدولة العميقة" في مصر، ولا سيما الجيش والمحاكم، عمل ذلك على تنفير الكثير من الأعضاء الأصغر سناً من جماعة الإخوان المسلمين. والآن، يصطف إخوان سابقون مع المنتقدين الأكثر مرارة وفعالية للإخوان. وثمة البعض الآخر من الذين يحتلون أرضاً وسطى والأكثر استعداداً للتحالف مع العلمانيين، أصبحوا يشكلون تهديداً محتملاً متزايداً لقاعدة الإخوان الانتخابية.
وهناك سلالات مماثلة أضعفت حركة النهضة في تونس أيضاً. فبعد مقتل سياسي يساري في شباط (فبراير) الماضي، قدم رئيس الوزراء آنذاك، حمادي الجبالي، الذي كان يشغل أيضاً منصب الأمين العام للنهضة، قدم عرضاً بالاستقالة وتشكيل حكومة ذات قاعدة أوسع من التكنوقراط، بدون إبلاغ الزملاء في الحزب على ما يبدو.
ويمثل السيد الجبالي، الذي تم استبداله في حكومة جديدة شُكلت بعد حالات الاهتياج داخل النهضة، الجناح الليبرالي الذي يتحدى أولئك الذين يريدون قبل كل شيء أسلمة المجتمع التونسي. وحسب فابيو ميرون، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، فإن زعيم الحزب، راشد الغنوشي، يجد نفسه في موقف محاولة جسر الهوة بين هذه التيارات. ويضيف ميرون: "لكنه من خلال محاولته إرضاء الجميع لا يرضي أحداً". وقد سلم حزب النهضة بعد ذلك وزارتي الخارجية والدفاع لأشخاص غير حزبيين.
وكما هو الحال في العراق، حيث كثيراً ما يتعرض رئيس الوزراء الإسلامي، نوري المالكي، الشيعي، لهجوم الفريق الأكثر تشدداً من أتباع طائفته، يتعرض الإخوان السنة للهجوم ومحاولة الإضعاف من جهة السلفيين الأقل تسامحاً. ويعود هؤلاء وراء إلى نسخة أكثر تشدداً وتطهرية من الإسلام، والتي يفترض أن يكون قد تبناها السلف في زمن النبي محمد.
ربما كان من باب المفاجأة الكاملة أن الساسة السلفيين -وليس العلمانيين، هم الذين نشروا مؤخراً قائمة تفصّل الكيفية التي تسلل بها إخوان مصر إلى المناصب الحكومية الحيوية. وفي حين يتشنج إخوان مصر في الدفاع عن مصالح "غير إسلامية" تفرضها القروض الأجنبية التي تحتاج إليها حكومتهم بإلحاح (يسمونها "رسوم الخدمة")، وجد أبناء عمومتهم التونسيون صفحتهم تسودّ بسبب ارتباطهم بتطرف السلفيين. ويعزو البعض الهبوط في شعبية حزب النهضة التونسي إلى الهجوم الذي شنه الغوغاء السلفيون على السفارة الأميركية في تونس في أيلول (سبتمبر) الماضي. "بعد ذلك"، كما يقول السيد ميرون "قال الناس، ‘كفى. لقد ضقنا ذرعاً بهؤلاء الناس الملتحين‘".
وعلى النقيض من ذلك، حققت الفصائل الجهادية المتمردة في سورية التي برهنت أنها الأفضل تسليحاً وحوافز من غيرها، نجاحات كبيرة في معسكر المعارضة على حساب التيارات الإسلامية الرئيسية السائدة. وقد ترتب على الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي واجه مشاعر الاستياء بسبب محاولته الهيمنة على مجالس المعارضة السورية، أن يقبل بدور أقل.
في كثير من الحالات، استفاد الإخوان انتخابياً من الإيديولوجيا أقل مما استفادوا من الانطباعات عن الصدق والكفاءة النسبية اللذين يتمتعون بهما. ولكن، وعندما ازدادت المتاعب المزمنة -مثل البطالة- سوءاً، أصبحت شعبيتهم تعاني من المشاكل وهم في السلطة. ومن ذلك، قيام محكمة بتأجيل انتخابات عامة كان من المقرر إجراؤها في مصر في نسيان (أبريل). وبعد أسابيع من الاحتجاجات واسعة النطاق، والتي كانت دموية في الغالب ضد ما يُنظر إليه على أنه طغيان كثيف لحكم الرئيس محمد مرسي، عانى مرشحو الإخوان من هزيمة غير مسبوقة في انتخابات الاتحادات الطلابية للجامعات في مصر. كما أظهر استطلاع للرأي في غزة تراجع شعبية حماس، التي كانت تركب الموجة العالية بعد تحمل الهجوم الإسرائيلي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لتهبط إلى 18 % فقط.
وبالإضافة إلى ذلك، شهدت قناة الجزيرة، الناطقة بلسان الإخوان، تقييماتها وهي تهبط أيضاً، فيما يعود في جزء منه، وبشكل ينطوي على مفارقة، إلى نجاحها في تعزيز الحريات التي جلبت إلى الوجود موجة من القنوات الفضائية المحلية الجديدة. ولم يعد البث العربي الرئيسي لقناة الجزيرة يصنف بين العشرة الأوائل الأكثر مشاهدة في مصر، على سبيل المثال. كما لم تعد قطر، راعيتها الصغيرة الغنية بالنفط، تتمتع بشعبية الإسلاميين. وقد نجحت حملة مضادة واسعة النطاق في وسم الإمارة الخليجية بسمة التدخل في شؤون الدول الأخرى، وقيامها بدعم الإخوان واستخدام ثروتها الهائلة لشراء الأصول الوطنية بثمن بخس.
الآن، أصبح بعض السبب في تنامي الكراهية للإخوان يرتبط، بشكل غريب، بالدول الغربية التي طالما تجنبتهم لوقت طويل. وعلى سبيل المثال، تم استقبال جون كيري، وزير الخارجية الأميركي الجديد، في مصر باتهامات غاضبة بمحاباة الإخوان، مع نشر رسوم كاريكاتيرية تصوره بلحية وزبيبة (علامة الجبين التي تميز المصلّي المسلم الملتزم). وفي معظم أنحاء المنطقة، ما يزال منافسو الإخوان منقسمين على أنفسهم. ويمتلك القليلون من القادة العلمانيين رؤية متماسكة تتمتع بالقبول الشعبي. ومع ذلك، فإنهم ربما يقعون على مثل هذه الرؤية مع الوقت. ولذلك، ربما يترتب على أولئك الدبلوماسيين الذين يعتمدون على الإخوان في تحقيق العدالة أن يشرعوا في إعادة ترتيب رهاناتهم مرة أخرى.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
The Muslim Brotherhood: It’s hard being in charge