مغادرة السفير الإسرائيلي في عمان، وعودته المرجّحة بعد فترة، اثارت ضجة واسعة...
قصة السفير الاسرائيلي في عمان مثيرة للتساؤلات على كل المستويات هذه الأيام، لانها ما بين الرمزية وحجمها الأساس، مهمة للغاية.
الأهم من طرد السفير الاسرائيلي من عمان، أو استدعاء السفير الاردني في اسرائيل، فتح ملف التطبيع بكل مساراته، وعلى فعاليات كثيرة، ألاّ تتشاغل فقط بقصة السفير، فيما بين ايدينا آلاف الحكايات حول اختراقات سياسية واقتصادية وامنية، وهذا الملف مطروح على الجميع من اجل فتحه، ومعالجة تفاصيله، حتى لا نهرب كلنا باتجاه قصة السفير فقط.
هذا لاينتقص من الرسائل التي يتم بثها داخلياً وخارجياً، لان السفير الاسرائيلي، رأس البعثة الاسرائيلية في عمان، لكنه ليس كل القصة، ولو غادر السفير برضاه او طرداً، فإن البعثة الاسرائيلية باقية، وتمارس مهماتها السرية والعلنية دون اي تأثر، وهذا يمنح المطالبين بإغلاق كل السفارة الاسرائيلية شرعية اكثر في مطالباتهم، لان القصة لا تتعلق فقط برأس البعثة.
هناك عمليات تطبيع جارية،ايضاً، مع العدو الاسرائيلي، على الصعيد الاقتصادي، بمبالغ فلكية تصل الى مئات الملايين سنوياً، ولاتقف عند حدود الخضار والفواكه، ومعركة مقاومة التطبيع يراد حصرها بالجزر والافوكاتو، وهذا نمط يذكرنا بذات قصة حشر قصة التواجد الدبلوماسي الاسرائيلي بالسفير فقط، والتبادلات التجارية يراها العاملون في الجسور، ويعرفها المطلعون.
هذه خروقات خطيرة، خروقات لا يمكن السكوت عليها، وتمتد الى قضايا اخرى،إذ ان الاف المواد الاولية القادمة من اسرائيل معفاة من الضرائب، وهناك دخول لمواد ذات استعمالات طبية وفي البناء، وصولا الى مستوردات اخرى، فوق تصدير الزيتون الى اسرائيل، والتحايل الذي تتسرب حوله المعلومات بشأن سلع اسرائيلية يعاد تصديرها باعتبارها اردنية الى العالم العربي.
احدى مشاكلنا في العالم العربي التركيز على الرمزيات، او على عنوان رئيس واحد، وترك التفاصيل، وهذه نراها في ترك كل ملف التطبيع الاقتصادي بأسراره والتركيز على ثلاثة انواع من الخضار والفواكه، ونراها ايضا في التمثيل الدبلوماسي الاسرائيلي في الاردن، عبر التركيز فقط على السفير وترك كل النشاطات المشبوهة للسفارة سياسياً وامنياً ومعلوماتياً.
قليلو الشرف ممن ُيطبّعون مع الاحتلال في الداخل او الخارج، وصلوا الى مرحلة التباهي بقلة الشرف، وقليل الشرف هنا، يخدع نفسه قبل غيره، بتبرير خياناته وافعاله، لكنه يصطف فعليا في طابور الجاسوسية للعدو، متناسياً ان الزمن قصير، وان الصبر خير ألف مرة، من التراجع والانهزام الوجداني والتسليم للاحتلال بكل شيء.
من أجل ان نتخلص من «الهبات الموسمية» لابد من عمل مؤسس ومنظم لمقاومة التطبيع يفتح كل اسرار هذا الملف، ويقود جهداً شعبيا لا يتراجع كل فترة، ولا يتحول الى مجرد عنوان يستذكر ما يريد ويتناسى ما يريد ايضاً.
المعركة مع اسرائيل لا تتجزأ.
(الدستور)