نشرت وسائل الإعلام العالمية بطريقة موسعة خبراً يفيد بأن المدعو "أبو صقر" الذي وصف بأنه زعيم مجموعة مقاتلة في حمص-سورية أقدم على التمثيل العلني بجثة جندي من الجيش السوري بعد قتله، وقد تم تصوير عملية التمثيل التي صورت الزعيم وهو يقتلع قلب الجندي بيده ثم يقوم بأكله، وقد تم توزيع الصورة ونشرها عبر المواقع الإعلاميّة التي تناولتها وسائل الإعلام الغربية بطريقة مثيرة.
هذه الصورة البشعة التي تثير المشاعر الإنسانية، غريبة ومقززة لا يمكن تصديقها، لأنها خارجة عن الذوق ومصادمة للفطرة وتناقض العقل فضلاً عن تعاليم الدين ومقتضيات الحد الأدنى من المعرفة الدينية أو الإطلاع البسيط على أساسيات الثقافة الإسلامية السهلة الميسرة التي لا يكاد يجهلها الأطفال.
هناك معرفة عامة يقينية لدى عامة المسلمين مهما كان حظهم من العلم والفقه بمبدأ النهي الواضح والحاسم عن التمثيل بجثة الميت حتى لو كان عدواً مقاتلاً، بل إن النهي كان واضحاً عن التمثيل بجثة الحيوان الميت حتى لو كان كلباً عقوراً.
فمن هو "أبو صقر" ومن أين جاء؟ ومن أي كوكب أتى؟ وهل ينتسب إلى المجتمع الإنساني؟ فضلاً عن العربي والإسلامي، وهل هو شخصية حقيقية وموجودة فعلاً ؟ وهل هو ينتسب إلى عالم الثوار والمقاتلين في سورية ؟ وكيف وصلت هذه الصورة إلى المواقع الإعلامية؟ ومن هي الجهة الإخبارية المسؤولة عن حقيقة هذا الخبر ونشره؟!
في البدء هذا الخبر محل تشككيك، وليس كل ما يتم نشره صحيحاً وحقيقاً، في ظل القدرة التقنية على نشر أي صورة، وتلفيق أي خبر، حسب الطلب، ولكن الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق كله، أن هذا الحدث لا ينتسب إلى تقاليد هذه الشعوب ولا إلى تقاليد هذه المنطقة في كل عصورها، وعبر كل مراحل تاريخها، مهما كانت حدة الصراع ودرجة الاختلاف.
هذا الخبر له دلالات كبيرة وخطيرة، بشأن ما يحدث على الأرض السورية، من تلاعب إعلامي خطير، وأدوار خبيثة في التشويه واغتيال السمعة، من أجل تسويد صورة الشعب السوري وتشويهها وقتل روح الثورة، ونشر ثقافة اليأس والإحباط، وسد نوافذ الأمل لدى الأجيال العربية بالتحرر والكرامة، والتخلص من نيران الاستبداد والقمع، وقبضة الحكام الظلمة الذين أقاموا عروشهم على أشلاء الشعوب وجماجم الأطفال.
هناك خطة ماكرة وخبيثة لخلق الانطباع بأن حركات التحرر مرتبطة مع دول الاستعمار والاستكبار الغربي، وصديقة للكيان الصهيوني، ومدعومة من الأنظمة الرجعية، ثم هناك محاولات لربط حركات التحرر بالتخلف والجهل والإرهاب والتطرف والإجرام، والتعصب الديني، وحب القتل والاغتيال، والحط من شأن النساء، واحتقار المخالف، ويشترك في تنفيذ هذه الخطة أطراف عالمية وأخرى عربية على مستوى الدول والأنظمة وجهات حزبية منتفعة..
لقد تم نشر فتاوٍ مختلقة وغريبة وفي الوقت نفسه سمجة ومنحطة لم يسجلها التاريخ، تحت لافتة (جهاد النكاح)، والآن يتم نشر خبر التمثيل بالجثث المدعم بالصور المقززة، مما يدفع الأجيال إلى الرضى بالواقع المر وتفضيل الاستبداد، والبقاء تحت نير الأنظمة الديكتاتورية المتسلطة فراراً من التغيير القادم الذي يحمل هذه الصورة القاتمة ولكن الغرابة في الإخراج تدل على أن الجهة المنفذة تنتمي إلى عقلية خارجية بعيدة عن هذه المنطقة وبعيدة عن تقاليدها.
وهنا يجب الالتفات إلى بعض الحقائق:
1- الواقع العربي القديم المتمثل بأنظمة حكم متسلطة وشعوب مقهورة، يمثل مصلحة لدول الاستعمار والاستكبار العالمي، ومصلحة الكيان المحتل والمشروع الصهيوني ومستقبله في المنطقة. 2- التغير المطلوب شعبياً على الصعيد العربي، يمثل خطورة على الأنظمة الفاسدة أولاً، ويمثل خطورة على المصالح الغربية الاستعمارية والصهيونية الطامعة بالاستيلاء على المنطقة.
ومن هنا تتضافر كل الجهود بالتحايل على أماني الشعوب العربية ومطالبها بالحرية والديموقراطية والكرامة عن طريق الاختراق والتشويه، وحرف الثورات عن مسارها بالمال، والدهاء والمكر الذي تزول منه الجبال!!
(العرب اليوم)