ينسلُّ التعطي والاستجداء الى ثقافتنا الجمعية من مكونات تاريخية لا يعود معها معنى لنفي قيمهما
عن الفرد والدولة معا، خصوصا اذا كانت هذه الاخيرة تقوم على اسس وظيفية. الغساسنة والمناذرة اسسوا دولتين وظيفيتين محدودتي القدرات مستجديتين للصحراء وفارس وبيزنطة. وفق هذه المواصفات عززوا نهجا سياسيا يستأنس بثقافة التعطي للفرد والدولة.في ذاكرة باديتنا الماثلة لا يزال الناس يتداولون قصصا عن "مدمي" حلّ في الديرة او المضارب سعيا وراء جمع ما تيسر من مال او حاجات عينية . في الاثناء نسمع عن غياب فلان "وجه ربعه" او تواريه لاسابيع في بلد مجاور فيعود زاهي الوجه تبدو عليه "آثار النعمة" التي هطلت عليه خلال رحلته غير المعلنة. كذلك يتردد ان فلانا "وهم كثر" تصله مخصصات شهرية من بلد مجاور .
نقرأ في الاخبار ان فرنسا ومن فرط حبها لاطفال بنين قررت منحها 6 ملايين يورو مخصصة لبرامج الطفولة، فيسأل زميلي : ترى ما هي هذه الدولة التي تقبل هذا المدى الوضيع من التعطي المفضوح على رؤوس الاشهاد ؟ وكم سيصل برامج الطفولة من هذا المبلغ الذي تقدمه باريس لاجل عيون الطفولة الافريقية ؟ وتساءل كذلك : ما هي وظيفة بنين التي تراها فرنسا غاية في الاهمية لتقدم ملايينها الستة لاطفال البلد الفقير؟
"التعطي" يمارسه الاغنياء والفقراء اما عزيزو النفوس منهم فلا يقدمون عليه. الحال اياه ينطبق على دول العالم الثالث ونحن في طليعتها. اميركا تبذر الملايين وسويسرا كذلك ونحن ننتظر مزيدا من "الكرم" . طبعا لا يهم ماذا يطلب "الكريم " مقابل كرمه، فنحن غب الطلب، اقصد الدولة العالمثالثية .
غواية الاستعطاء ولعنته وما تستتبع من مهمات واثمان غدت سياسة معلنة تقرها البرلمانات وتناضل من اجلها الاحزاب ويتسابق الساسة في كيل المديح ل"مانحين" كرماء ولا يهم ان كانوا هم من يصنع مشكلاتنا ويعزز فقرنا وتبني محتلي ارضنا. الغرب اوجد اسرائيل ووكالة غوث لاجئي فلسطين ويقدم الملاليم لنناقش في ورشات عمل كيفية توصيل علب رب البندورة الى غزة المحاصرة. كل ذلك سيبقى يكلل حياتنا بالعار ورغم ذلك سنبقى نتحدث عن "الموقف القومي" المناصر للشعب الفلسطيني.
muleih@hotmail.com