ما زلنا نضحك، جرّاء سماعنا لأخبارٍ آتية من الغرب، ومن الغرابة ما يدفعنا للاعتقاد بأن هؤلاء البشر ما هم إلا مجموعة من "الخُلَعْ".. تواطأت من أجلهم ظروف الزمن والإمكانات والموارد فارتقوا وأسّسوا حضارات نكاد لا نرقى لأن نحلم حتى.. بالتشبه بأقلها.
لست هنا لأعبر عن حجم إعجابي بالتجربة والحضارة الغربية والتفوق والهوة التي أحدثتها، لكنني أرى لزاماً عليّ وعلى كل من يتابع أخبار الغرب الغريب العجيب، أن يسأل نفسه من أي طينة أتى أولئك البشر، ومن أيها نحن ..!؟ أغرب ما طالعت هذا الأسبوع مبادرة النجمة العالمية أنجيلينا جولي باستئصال ثديها تحسباً من مجرد احتمالية إصابتها يوماً بسرطان الثدي، لكنها أكدت أيضاً أنها بذلك تدفع نساء العالم للمُسارعة بالفحص المبكر والتحقق من أي جين وراثي يمكن أن يسببه مستقبلاً..
يحدث ذلك فيما تقف بلد بكاملها وناسها ومؤسساتها وصحافتها وإعلامها ومؤسسات المجتمع المدني فيها، وناشطيها لإقناع النساء بالفحص المبكر وتكاد النسبة الأعلى منهن.. لا تفعل، ثم يُطلق رجاءٌ لا يأتي بالنتيجة المرجُوة للزوج والأب والأخ بأن.."خليها تفحص"، أو "اوعدينا تفحصي"، ويعلم كبيرنا وصغيرنا أن سرطان الثدي ما يزال يعد من أكثر أنواع السرطانات شيوعاً في الأردن.. ولا الرجاء ولا الوعد.. يأتيان باجابة حاسمة رغم التقدير الكبير لجهد اللجنة الوطنية!! باربرا والترز صاحبة مشروع دبلوماسية الإعلام في الشرق الأوسط، تعلن أنها ستتقاعد بعد خمسة وخمسين عاماً من العمل مذيعة وإعلامية التقت خلالها آلاف الزعماء من بينهم رؤساء أميركا كلهم منذ نيكسون.. الخبر ليس في تقاعد باربرا وقبلها اوبرا ويمفري وليس بمغادرة لاري كينج وتيد كوبيل ولكن في أن إعلامياً محترفاً قادراً أن يبقى مُحتَرماً نجماً نزيهاً طيلة خمسة عقود ونصف، يمكنه أن يؤسس لعهد إعلامي كامل وأن يخدم بلده والعالم دون أن يأتي رئيس (ديسك) إعلامي أو مسؤول لا يفقه من الإعلام الا بما يُرضي غرور مديحه العالي، أو مُتنفذ لا يعرف من الصحافة إلا كلماتها المتقاطعة والأبراج، ليوقف إعلاميا عن العمل أو يحبط مشروعاً إعلامياً، لمجرد أن ذلك لم يأت على هوى عُطوفته..!!"هذه الديمقراطية"..أن تسلب عقول الناس بوعود، وان تبيعهم أوهام الأمان والاطمئنان ورضا النفس، لتسلب تمثيلهم بالكذب والممالأة والرياء، وان تحقق أكبر قدر من المصالح والمكتسبات بأقل زمن، و"هذه هي الديمقراطية".. وفي سعينا لنيلها اكتشفنا ما قاله تشرشل "إن أسوأ ما خلق الإنسان الديمقراطية"، وعرفنا أن طريقنا لها وُوجِه بحقائق أكثر مأساوية من أنظمة الاستبداد، هي الجهل وغياب القيمة والمضمون لصالح الشكل وخطاب الغوغاء والشتائم التي اعتقدنا أنها ترفع سقفا.. فيما هي عاجزة عن رفع شيء إلا صخبها..!! نحن في "منطقة تعيش حرباً مع تاريخها" وفي مواجهة مع حقائق حاضرها المؤلم، بعد أن اعتقدنا أننا أذهلنا العالم ونحن لا ندرك أننا..خذلنا أنفسنا..
كل ما علينا أن نفعل، أن ننتظر موسماً آخر لليافطات الانتخابية لعهد ديمقراطي جديد يزيدنا خذلاناً ورغبة في الموت، لكنّه نعجز عن نيله أيضاً بكرامة!!
hani.badri@alghad.jo
الغد