أحسن جلالة الملك عبد الله الثاني صنعا، بحسم المعركة الدائرة بالخفية وبالرشى، للنواب الذين منحوا الثقة للحكومة، مقابل وعد من قبل رئيس الحكومة د.عبد الله النسور بتوزيرهم ، وكأن الأمور تسير وفق هذه العملية.
كانت الفرحة لا تسع عددا من النواب الذين وعدوا بالتوزير،وهاهم الآن حاقدين غاضبين من الدولة وعليها، لأنها منعتهم من التوزير إضافة إلى " التنييب"وكأن البلد تخلو من السياسيين المحنكين.
ما جرى بين رئاسة الحكومة ومجلس النواب فيما يتعلق بالتوزير،لم ينته عند نقطة محددة، بل إمتد تأثيره إلى العلاقة بين الديوان الملكي ومجلس النواب، وكان الأجدر برئاسة الحكومة ألا تقطع وعدا بتوزير النواب، خاصة وأن رئاسة الحكومة تعرف جيدا وقبل غيرها ،أين مربط الفرس،ومن صاحب القرار؟!
يبدو أن الأمور ماتزال ملتبسة عند البعض حول موضوع الحكومة البرلمانية ،ولا ألومهم لأن ما طبق سابقا كان لعبة مكشوفة، ومع ذلك لا بد من التوضيح أن توزير عدد من النواب ممن لهم صفات محددة ،لا يعني أننا دخلنا خط الحكومة البرلمانية، فما كنا نعمله كان عبارة عن مخالفات دستورية، لأنه أصلا لا يجوز توزير النواب.
الحكومة والنواب خطان متوازيان لا يجوز أن يلتقيا، لأن النائب هو الرقيب على الوزير وهو المشرع له،بمعنى أنه في حال توزير النائب فمن سيحاسبه ويراقبه ومن سيشرع لمن ؟ تلكم هي المشكلة التي لا حل لها سوى عندنا، وقد قمنا بحلها عن طريق إرتكاب مخالفات دستورية خطيرة.
الحكومة البرلمانية مكسب، ونتمنى أن نصل إليها لأننا بذلك نكون قد خرجنا من الشرنقة إلى الهواء الطلق، وبالتالي أصبحنا نسير على الخط الصحيح. وتعني الحكومة البرلمانية أن يكون البرلمان أو أغلبيته من حزب نجح في الإنتخابات وإختار عددا من قياداته أو مؤيديه، لتشكيل حكومة تقوم بتنفيذ برنامج الحزب الإنتخابي.
الخطوة الأولى للدخول على خط الحكومة البرلمانية هو أن يكون لدينا قانون انتخابي سليم، وقانون أحزاب عصري يسمح للجميع بالإنخراط في الأحزاب ،وخاصة شباب الجامعات لتوعيتهم وإخراجهم من دائرة الخواء الفكري التي تلفهم وتدفعهم للعنف الجامعي.
كما أننا بحاجة إلى تحقيق مطلب المواطنة الحقة وتوفير فرص العمل ،وحرية الإعلام وتنقيته من "قوات التدخل السريع"،ونزاهة القضاء حتى يقف الجميع سواسية أمامه ،ويكون الفقير أو الضعيف واثقا أن حقه محفوظ وأنه يعيش في دولة القانون.
عندها نستطيع خوض الانتخابات وسط قبول الجميع، لأن الجميع سيكونون حريصين على الوقوف أمام صناديق الإقتراع والإدلاء بأصواتهم لمن يمثلهم ،عكس ما هو حاصل في الإنتخابات التي نراها بدون منتخبين، وعندها أيضا نستطيع محاسبة الحكومة الفاشلة ،علما أنها ستحل نفسها بنفسها إن هي اخفقت في تنفيذ برنامجها، بمعنى أننا عند ذاك نعرف خصمنا.
أما في حالة توزير النواب وفق مصالح محددة ،فإننا لا نعرف من نحاسب،لأن الطاسة ضايعة كما يقول المثل،ويقوم رئيس الحكومة بعد أن يوعز إليه بإجراء تعديل طفيف ،أو أحيانا عملية جراحية لحكومته ويأتي بآخرين لا يختلفون عمن سبقهم ما دام التوزير وفق الأسس المعمول بها حاليا.
قبل سنتين نجح الحزب الديمقراطي الياباني هاتوياما في الإنتخابات ،وكان من أولى النقاط في برنامجه التخلص من الجنود الامريكيين المقيمين في قاعدة جزيرة أوكيناوا ،وبالفعل بدأ رئيس الوزراء بإجراء المفاوضات من الأمريكيين الذين أنهوها بتهديد واضح وصريح مفاده: سنقبل طلبكم بالخروج من اليابان،ولكن عليكم أن تعلموا أننا في هذه الحالة سنأخذ معنا مظلتنا الحامية لليابان، ونترككم عرضة للصين وكوريا الشمالية.
عندها ادرك رئيس الوزارء هاتوياما انه لن يتمكن من الوفاء بوعده لناخبيه وقواعده،وأنه يجب ان يفضل مصلحة الوطن على مصلحة الحزب ،فآثر الإنسحاب من الحكم ،وجاء الحزب المعارض وأعلن رئيس الحكومة الجديد أنه سيواصل العمل من أجل إخراج الأمريكيين من اليابان.
هذه هي الحكومة البرلمانية ،أما توزير النواب وفق الأسس المعمول بها عندنا فهي مخالفة دستورية.