ثمة أسباب قاهرة بل كما يقال "شديدة قوية" تجبرني على التسوق من داخل المجمعات التجارية الضخمة والتي تسمى "مولات" لأن التسوق بغض النظر عن كمه أو نوعه يعد متعة بالنسبة لي والمتعة تحتاج إلى الهدوء والتروي في غالب الأحيان، وهذا هو العنصر الأساسي المفقود في "المولات" التي تضج بأعداد هائلة من متسوقين حقيقيين وتعج بأضعافهم من مدعي التسوق ممن اتخذوا هذه الأماكن متنفسا لهم لممارسة هواياتهم التافهة أو مقصدا للبحث عن رغبات وضيعة.
في عماننا الوردية عشرات وعشرات من المولات التي شيدت والتي لا زالت تحت الإنشاء والتوقع أن يتكاثر العدد ليشطح عن حدود المائة مول بحلول عام 2010! وهذا سيتحقق بدافع الرغبة والتصميم على تحويل عمان إلى نسخة طبق الأصل من عاصمة عصرية يشار إليها بعدد الناطحات الإسمنتية والأبراج الزجاجية وأعداد هذه وتلك ستكون مدعاة لتباهي الأردنيين بعاصمتهم الوردية عمان...!
بات رحيلي عن عمان مؤكدا في غضون أيام أو أشهر أو سنوات قليلة وقد أبقى بعيدة عنها حتى يشتعل رأسي شيبا وسأتباهى فقط بارتفاع سارية العلم الأردني في قلب عمان وبجبالها السبعة ووديانها المتناثرة وضواحيها وأحيائها الضيقة المكتنزة بفن عمارة عماني الأصل والمنشأ، سأتباهى بهذا وليس لدي أدنى درجة من استشعار للاهتمام بما يعلنه أمين عماننا بين الحين والآخر عن مشاريع استثمارية ضمن المخطط الشمولي ستحول عمان إلى عمانيورك جديدة...
وعودة إلى المولات. قبل يومين دفعني الواجب الاجتماعي الملح لزيارة صديقة لي تعمل بائعة في متجر للملابس النسائية الخاصة جدا في إحدى المولات، ركبت المصعد الكهربائي وأنا أفكر في اختلاق عذر مباح يساعدني على الخلاص من هذه الزيارة وترك المكان بعد عشر دقائق على الأكثر وكنت أظنها سترقص فرحا برؤيتي بعد عشرات من المحاولات لاجتذابي إلى زيارتها في المتجر النسائي، وللأسف لم يكن ظني في محله فلم تعرني أي اهتمام يذكر حال رؤيتي! وبدت مصفرة اللون قاتمة العزم والعزيمة فبادرت إلى احتضانها وهي ترتعش وترتجف والدموع تتلألأ في عينيها آيلة للتساقط على وجنتيها وراحت تخبرني أن أحدهم يرتدي ثوبا وعمامة ويطيل اللحية باغتها قبل ساعتين بدخوله الى المتجر وراح يحدق في الملابس النسائية التي لا يباع سواها? وإذا به يعرف عن نفسه بأنه إمام لأحد المساجد القريبة من المول ودخل إلى هناك صدفة وأن له الحق في مطالبتها بإزالة جميع الصور الدعائية للملابس النسائية داخل المتجر وتوعدها بأنه سيأتي في المساء ليتأكد أنها قامت بما أمرها به وإلا سيبعث لها برجال أقوياء أشداء يكسرون على رأسها المتجر ويمزقون البضاعة قطعة قطعة خلال دقائق معدودة لكون البضاعة التي لديها هي عبارة عن قطع صغيرة ورقيقة لا تحتمل أكثر من شدها بكلتا اليدين حتى تتمزق...
هذا الناطق الرسمي عن لا اسم? هدد كاذبا وأرتحل? وراح الأمن الداخلي في المول يبحثون عنه في كل مكان بلا جدوى حتى هذه الساعة..
فعلة هذا الرجل قد لا تعد الأولى من نوعها فقد حدثت قصص مشابهة فيما قبل ومؤشراتها ومضامينها المختلفة معروفة لا يسعني المقال لذكرها حتى أنني لست خبيرة فيها حتى استحضرها بموضوعية، ولكن السؤال الذي يراودني كيف أن الصدفة فقط كما يدعي ذاك الرجل هي التي أدخلته الى متجر لبيع الملابس النسائية الخاصة جدا !!
هذه الصدفة حدثت قبل زيارتي لتلك الصديقة بساعتين فقط وعند معرفتي بالحادثة لم أجد حرجا في إنهاء الزيارة بعشر دقائق ليس لأنني أود الابتعاد عن الضوضاء المزعجة في المول بل خوفا من عودة ذاك الفاضل ليشملني ضمن عمليات التكسير والتمزيق لمحتويات المتجر ورب صدفة خير من ألف ميعاد..
Dana_najdawi@yahoo.com