قراءة في سرايا الباشا - 3
محمود الزيودي
22-02-2007 02:00 AM
يتحدث الباشا نذير رشيد الى سامي كليب في محطة الجزيرة عن مناوره هاشم يومي 8 ، 9 نيسان 1957 وان المناورة موافق عليها من رئاسة الاركان قبل شهر ( لاحصاء السيارات على الطرق ) وهي تشمل الضفة الشرقية والضفة الغربية . ضمن التدريب الاجمالي للكتيبة التي لم يكن افرادها يحملون طلقة واحدة ، وكانوا بعيدين عن الطريق الرئيسية حوالي مئة متر ( صور الامر على انه محاولة انقلابية ) التعليق من سامي كليب ... يجيب الباشا ( اللي صار.. وزير الدفاع المفروض يبلغ رئيس الوزرا انه فيه مناورة طالعة هكذا .. ورئيس الوزراء يبلغ الديوان . هذا ما صارش ... اثناء المناورة اتصل اللواء علي الحياري قالي لي سيدنا وافق على تغيير بهجت طبارة ويجي معه محمد علشان تسحب الكتيبة ... قلت له اسمع هذا الحكي انا ما بحب اسمعه .. المناورة تستمر لاخر ثانية .. رئيس الاركان كلفني امام محمود وامام ضافي .. طلب مني اسحب الكتيبة وافوت على تبوك 200 كيلو .. ) هذا اقتباس من كلام الباشا الذي وصفه سامي كليب ( يعني شوية صعب على الفهم ) ... من المذكرات نقرأ لنذير رشيد: " بعد ظهر ذلك اليوم، الثامن من نيسان 1957، اتصل بي قائد الفرقة علي الحياري، بينما كنت أتفقد الوحدات في مراكزها، وأبلغني أنّ الملك وافق على تغيير بهجت طبّارة، وتعيين محمد المعايطة بدلاً منه. وقد فوجئت بهذا الكلام، وطلبت منه بحزم أن لا تكون المناورة موضوع مساومة بين "أبو نوار" وغيره ، فالمناورة تمارين تدريبية بحتة موافق عليها قبل شهر من ذلك التاريخ. وأخبرته أنني لا علاقة لي مطلقاً بما يجري خارج تلك المناورة ، وأنها ستستمر إلى آخر دقيقة في برنامجها المقرر، وتعود بعدها السرايا إلى موقعها في معسكر الزرقاء، وهذا ما كان".
يذكر نذير رشيد ان رئيس الاركان استغله مع اخرين لمحاولة الانقلاب .. وهو لا يعرف عن التطورات التي حدثت يوم 10 نيسان 1957.. ويضيف ان تمرده على اوامر رئيس الاركان بسبب تركيبته ( انا تركيبتي هيك ) ويكرر الامر الصادر له بالدخول الى تبوك ومهاجمتها...من المذكرات نقراء ... انه مساء يوم 9 نيسان 1957 تحركت احدى سرايا الكتيبة بقيادة هليل سلامه الى الديوان الملكي لحمايته . وهي من سرايا كتيبة المدرعات الاولى التي اجرت مناورة هاشم بقيادة نذير رشيد . وفي ساعة متاخره من الليل تم نقله الى قيادة الفرقة وعيّن المقدم نايف المنور الحديد مكانه ونصحه محمود المعايطة بمغادرة المملكة بعد احداث الزرقاء . وسمع في الصباح انه مطلوب للاعتقال . فذهب الى المفرق بلباسه العسكري ومسدسه وهناك ذهب الى القوات السورية المنتشرة في المفرق فألبسوه لباس ضابط سوري وسافر الى سوريا بسيارة عسكرية .
* * * *
تجاوزت تعليق الباشا على العلاقة بين رئيس الوزراء سليمان النابلسي ورئيس الديوان الملكي بهجت التلهوني .. وعلي ابو نوار رئيس هيئة الاركان . واحداث الليالي الثلاثة من 8 – 11 نيسان 1957 لانها وردت في اكثر من كتاب ومذكرات شخصية لمن عايشوا تلك الفترة . فانا معني بقراءة سرايا الباشا ومقارنتها بالاحداث التي جرت على الارض في تلك الفترة ...
وانصح القارئ المتابع ان لا يعتمد على حديث نذير رشيد الى الجزيرة . فالحديث يختلف كثيرا عما في المذكرات وتدوينه على الورق ظهرت فيه اللهجة المصرية وكاتبه على جهل كبير باسماء الاعلام التي وردت على لسان الباشا . واذا كان تدوين كلمة تبوك المكررة في الحوار صحيحة فالامر اكثر من غريب ... المسافة بين عمان حيث جرت مناورة هاشم وبين تبوك حوالي ستمائة كيلو متر . والطريق بعد معان كانت رملية تقطعها السيارات القديمة في يومين ان لم تغرز في بطن الغول . ربما اورد الباشا هذه الملاحظة على سيبل التندر . فقائد الفرقة عسكري متمرس يعرف مكان تبوك ويستحيل ان تصدر عنه تلك الملاحظة ... والاغرب من هذا رفض المرؤوس ( رئيس = نقيب حاليا ) لاوامر قائده ( لواء ) وهو يعرف ما ستلحقه من عقوبة بسبب مخالفة الاوامر وعدم تنفيذها اذا اخذنا بعين الاعتبار انضباط الجيش العربي على مختلف الرتب .. ومن الصعب ان يقول الرئيس الى اللواء .. هذا الحكي انا ما بحب اسمعه .. المناورة تستمر لاخر ثانية ... واذا كان الامر هكذا .. ولم يكن في الامر اكثر من ( انا تركيبتي هيك ) فان قائد الفرقة قادر على ارسال الشرطة العسكرية لحجز الضابط المتمرد وتعيين قائد جديد مكانه بنفس اللحظة .. والاغرب من هذا لماذا يتحدث (اللواء ) قائد الفرقة الى ( رئيس ) قائد كتيبة عن موافقة الملك على تغيير مدير الامن العام ؟؟؟ لا بد ان هذه الرتبة المتوسطة ( ثلاث نجوم على الكتف ) كانت متنفذة بحيث تتلقى الشرح من اللواء ( سيفان ونجمه ) وترفض اومره وتصر على اكمال المناورة حتى اخر ثانية .. من حقي وحق جيلي ان نعرف الحقيقة .. ففي تلك الايام وقفت ثلاث ساعات في طابور الانتظار للحصول على وقية كاز للانارة عندما اغلقت سوريا حدودها معنا . وتوقف ازيز الطائرات الحاملة للبترول الينا من السعودية ... وكان الاذلال ان تقفز شحنات الكاز الينا من لبنان فوق سماء الوطن المحتل .. اقول من حقي .. لان جمال عبد الناصر الذي كتب لاحد رموز تلك الفترة ( ماتكونش هراب ) تركني انا وابناء وطني من الجنود تحت العراء الجوي عام 1967 ومشيت من جنين الى الزبابدة ثم طوباس على قدمي حتى وصلت الى نهر الاردن .. كان طعم الاذلال في فمي امر من العلقم .. لم ينقذ سمعتي كمحارب الا جلائل الفلسطينيات اللواتي نثرن الزهور على قبور زملائي الشهداء في نابلس والقدس وجنين ... من حقي ان اتفرس في مذكرات الباشا كما تفرس قاسم ابو شريتح برصاص الاسرائليين وهو ينخا الحرس الوطني في قرية برطعة قائلا .. لا تخافوا يا نشاما هذا حب الذرة .. ما هو رصاص .. ليت يعقوب الحاج احمد ( مختار برطعة ) يخرج من قبره ويذكر تلك الحادثة
* * * *
يذكر مؤلف كتاب تاريخ الجيش العربي فاروق نواف السريحين : ان كتيبة المدرعات الاولى الملكية التي كان يقودها الرئيس نذير رشيد ( وردت رتبته رائد في بعض المصادر ) عام 1957 هي احدى كتائب اللواء المصفح العاشر الملحق بالفرقة الاولى التي تسلم قيادتها اللواء علي الحياري بدلا من اللواء سام كوك الانجليزي . في عام 1957 كان قائد اللواء المصفح المقدم الركن نايف منور الحديد . كان مركز الكتيبة في الزرقاء وكان المقدم محمود المعايطة قائدا لكتيبة مدفعية الميدان الثاني . ..
لترتيب الصورة في ذهن القاريء نذكر:
ان لواء الاميرة عالية بقيادة المقدم معن أبو نوار، والمتمركز في خو، كان ينوي إجراء مناورة موافق عليها مسبقاً. لكن الجنود وبتأثيرات خارجية تمردوا عليه وهاجموه، وتحركوا باتجاه قيادة الفرقة في منطقة خو، ثم اتجهوا إلى الزرقاء في طريقهم إلى عمان يهتفون ضد "أبو نوار". علمت رئاسة الأركان بذلك، وطلبت من سلاح المدفعية الموجود في معسكر الزرقاء التصدي لهم ومنعهم من دخول الزرقاء، وبعدها منعهم من الوصول إلى عمان، فاصطدم لواء الأميرة عالية مع بعض أفراد سلاح المدفعية، الذين كان يقودهم إحسان الحلواني، وتم منعهم، فسقط قتيلان وعدد من الجرحى.
* * *
بعد وصول نذير رشيد الى دمشق وصل بعض الضباط الاردنيين الفارين يوم
14 ، 15 نيسان 1957 .. سالهم مدير المخابرات السورية عبد الحميد السراج .. كيف فشل الانقلاب الذي قام به الجيش على الملك ؟
سأل احد الضباط : من جاءكم بهذه الاخبار ال ( ... ) ؟
اجاب السراج : وصل الرئيس نذير رشيد وابلغنا عن الانقلاب الفاشل .. وافادنا انه هرب حفاظا على حياته لانه كان راس الحربة في الانقلاب
* * * *
فيما بعد ذهب نذير رشيد الى مصر لاجئا سياسيا واقام في الاسكندرية في عمارة الارز التي يملكها زكريا الطاهر وتقع في 558 / طريق الحرية / جليم / الاسكندرية ... وكانت شقته في الطابق السادس ... وقد سكنها بالمجان مثل الكثير من اللاجئين السياسيين الاردنيين الذين استقبلهم زكريا الطاهر .. يقول الباشا في السرايا صفحة رقم 144 ( و سكنا هنالك في بيت يملكه زكريا الطاهر و أخوته مدة ثلاث سنوات و شهر تقريبا ) .. كان زكريا الطاهر يدفع للاجئين السياسيين الاردنيين راتبا شهريا بمقدار خمسة جنيهات مصرية ..
نشير الى ان زكريا الطاهر حاول اغتيال الملك الحسين في المغرب و سجن هنالك وفيما بعد امكن اخراجه من السجن وتهريبه من قبل توفيق طوقان الذي كان على علاقة بملك المغرب انذاك، و لجاء الى مصركما يذكر د. عبد الفتاح طوقان ...
وزكريا الطاهر ايضا ارسل نصري محمد سعد الله الى عمان بجواز سفر لبناني لاغتيال الشريف ناصر بن جميل بالتعاون مع اخرين .. والذي كشف المؤامرة هو والد نصري الذي كان يقيم في بلدة عرابة قضاء جنين .. سمع بالامر من فم ابنه فابلغ عنه فورا .
فيما بين ايدينا من وثائق ان زكريا الطاهر رتب عملية اغتيال الرئيس الشهيد هزاع المجالي يوم 29 / 8 / 1960 .. ومن تداعيات تلك الحادثة قتل شقيقه ابراهيم يوسف الطاهر يوم 7 / 8/ 1961 على يد احد ابناء عم هزاع المجالي . لان اشقاء زكريا محمد وابراهيم واقاربهم لم يتبعوا الاصول العشائرية في اخذ عطوة من المجالي كما فعل بقية المتهمين بحادثة الاغتيال ....
في المذكرات وفي لقاء الجزيرة يتحدث الباشا نذير رشيد عن حادثة اغتيال الرئيس الشهيد وصفي التل في القاهرة ... وحادثة مساعدته في تهريب عبد الحميد السراج من سجن المزه في دمشق ثم الى بيروت والقاهرة ... ولنا وقفة مع هذه الاحداث في الحلقة القادمة من قراءتنا لسرايا الباشا .