facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نص كلمـــة شـــيخ الأزهــر خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الإعلام العربي


15-05-2013 05:34 AM

نص كلمـــة فضيلــة الإمــام الأكبـــر الأستاذ الدكتور أحمـــد الطــيِّب، شـــيخ الأزهــر الشـريف
خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الإعلام العربي 2013

بســـم الله الرحمــن الرحيــم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه.
أيها السادة والسيدات !
الســـلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد:
فإني أقر بأن حيرة كبرى أخذت بمجامع فكري وأنا أقلب الرأيفي إعداد هذه الكلمة، وأحاول تحديد محاورها وقوادمها وخوافيها، ذلكم أن العنوان الذي وضع لتكون هذه الكلمة مدخلًا إليه وهو: " الإعلام العربي في المراحل الانتقالية " عنوان واسع متشعب متعدد النواحي، ثم هو عنوان ينطبق على المرحلة الانتقالبة الحالية، وبخاصة إذا اقترب الحديث فيها من حدود السياسة، ودَخل في تعاريجها والتواءاتها التي تدق على الأكاديميين وتستغلق على من يعتمدون الحجة من أنظارهم ويعتزون بالمنطق والبرهان فيما يقولون أو يكتبون.. وقبل ذلك وهم يفكرون، وإذا كان واقعنا يضج بالكثير من الأوجاع والعلل والآفات فهل يستقيم لقائل - مهما أوتي من قدرة وإبداع - أن يقول ما يسعد الأسماع ويبهج القلوب!! وهل يجيئ كلامه إلا ضربًا من شكوى الغريب في قومه وبين أهله !! أو نوعًا من التغريد خارج السرب كما يقولون .


وعلى الرغم من كل ذلك توكلت على الله وأجبت الدعوة شاكـــراً ومقدراً، وها أنذا أقف الآن بين أيديكم، وأمري وأمركم إلى المولى سبحانه..
أيها الإخــوة والأخـوات !
تعلمون حضراتكم أن البيان في أية لغة من اللغات هو نعمة عظمى من نعم الله على الإنسان، كيف لا وقد امتن الله عليه بهذه المنَّة في ســـورة الرحمــن حيـــث قــال: " الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ {الرحمن/1-4}. وتعلمون أيضًا أن الكلمة هي أداة هذا البيان، وأنها هي الأخرى معجزة إلهية في حد ذاتها، إذ تُصوِّر للذهن الإنساني - في أقلَّ من لمح البصر - عوالم وأشياء ورؤى وأخيلة ومعاني وأحاسيس لا نهائية.. لو راح الإنسان يستثبتها بحسّه قبل أن يستثبتها تصورًا لاحتاج إلى ملايين الأعمار التي تضاف إلى عمره، وقد لا تكفي هذه الأعمار لإنجاز هذه المهمة، ومن هنا اتّسعت هذه الأداة العجيبة المعجزة لتكون وعاء للوحي الإلهي، وخطابًا تلقاه الأنبياء والرسل بدءًا من آدم وانتهاءً بمحمد - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -، وتواصلوا بها مع عالم الغيب من جانب ومع عالم الإنسان من جانب آخر، وكانت الكلمة - في كل ذلك - هي مفتاح السر وحجر الزاوية في معرفة الإنسان بكل قضاياه الكبرى: الإلهية والكونية والإنسانية." فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة/37} " وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّيجَاعِلُكَ لِلنَّــاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَـــالَ لاَ يَنَـــالُ عَهْـــدِي الظَّالِمِـــينَ "{ البقـــرة /124}
" قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَــــلاَمِي فَخُـذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ " { الأعراف /144} والمتأمل في موقع الكلمة من الخطاب القــرآني يـدرك أنها نوعان أو صنفان : كلمة طيِّبة،وكلمة خبيثة.
" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ " { إبراهيم/24- 26}.
نعم يا فرسان الكلمة وحملة الأقلام ! إن الكلمة سلاح ذو حدّين وإنها لأخطر الأسلحة في بناء المجتمعات وفي هدمها على السواء .
ورحم الله أبا الطيب المتنبي إذ يقـــول :
جراحات السِّنان لها التئام ​..​ ولا يلتام ما جــرح اللسـان
وللكلمة في فلسفة الإسـلام شأن ات بقا خطراً عن الفعل نفسه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم ليتكلم بالكلمة، من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتبالله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه؛ وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة، من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه "() .
وأنا لا أقصد في كلماتي هذه إلى تخويفكم أيها السادة والسيدات!- ولاصدّكم عن مهنتكم الشريفة، ولكن أردت فقط أن أشير إلى خطر الكلمة وأثرها الكبير على واقع الناس، وعلى علاقاتهم العامة والخاصة، سواء كانت الكلمة مسموعة أو مقروءة، وأيا كانت وسائل إدراكها وتحصيل معناها.
واليوم - أيها الأخوة الفضلاء - وبعد تفجر الثورة المعرفية والرقمية وثورة الاتصالات، تدخل الكلمة مستوى من الخطر أشد وأعمق في صناعة الأفكار والآراء والرؤى وتوجيه الأفعال وردودها على مستوى الأفراد والمجتمعات، وبدا للناس أن بطل الحلبة هو الحرف المكتوب والملفوظ، وأنه يمكن أن يفجّر - في أحدث تجلياته الاليكترونية - ثورة اجتماعية واقتصادية، وسياسية، بل إنّ العولمة التي تفرض نفسها على البشرية كلها ليست حقيقتها إلا مظهرًا أو أثرًا من آثار ثورة المعرفة والاتصال، والآن، تنشغل العقول الكبيرة في العالم بهذه الثقافة الجديدة : ثقافةِ الأرقام والحروف والكشف عن أسرارها وتوظيفاتها، لا على النحو القديم الغامض الذي اتخذت من طلاسم وتمائم، ولا على النحو التأمليّ الفلسفي الذي أنطق فيلسوف الإغريق " فيثاغورس " وهتف من أعماقه بأن العالم عدد ونغم ..، بل على نحو جديد حوّل حياتنا المعاصرة إلى أرقام جامدة تبتعد من دفء الإنسانية وجمالها بقدر ما تقترب من جفاف الرموز وهندسة الأشكال . .
ولعلكم أنتم – رجال الإعلام – أعرف بهذه الدوائر الإلكترونية الجديدة، وأعلم بها من غيركم من المثقفين والمتخصصين في المجالات المعرفية الأخرى، فقد عرفتم الصحافة الرقمية واستخدمتم أساليب الاتصال الحديثة سواء في الحصول على الخبر أو في نشره وترويجه.
وأنا أيها الإخوة والأخوات لست إعلاميًا ولا دارسًا للإعلام، وإن كنت أتعامل مع الإعلام والإعلاميين في بعض الأحوال والظروف المحدودة، ومن هنا فليس في جعبتي الكثير من الحلول التي يمكن أن تقدم إليكم أول تحل المشكلة في رسالتكم الشديدة الخطر على المجتمعات العربية والإسلامية،في هذه المرحلة التي انتشرت فيها شبكات الإعلام وقنوات البث المباشر ومواقع الأنباء والأخبار ونوافذ المعرفة والمعلومات، وأصبح الأطفال والشباب والكهول يتلقون ما تبثه هذه القنوات على مدار الساعة،وأصبحنا جميعًا ودون استثناء أسرى هذه المنصات الإعلامية، منا من يكتفي بما كان منها محليًا على اضطرابه وتناقضه، ومنا من يستهويه السفر بعقله وشعوره إلى ما وراء البحار والقفار، ويصبح ويمسي بجسده في عالمٍ، وبعقله ومشاعره في عالم آخر..
ومن جانبي أبادر أيها الأساتذة الأفاضل بالإقرار بالاعتراف بفضل هذه الثورة الإعلامية، وبصماتها البيضاء على جوانب هامة من حياة الإنسان المعاصر في الشرق والغرب، ولا يتسع الوقت لو رحت أعدد مجالات التحول الحضاري والثقافي والمادي والتي تعيشها الشعوب العربية والإسلامية بفضل هذه الثورة الإعلامية، وذلك على تفاوت واختلاف بين أقطار هذه الشعوب وأوطانها، ولكني لا أستطيع أن ألتف على الحقيقة وأزعم أن هذه الثورة الإعلامية كانت كلها خيرًا وبركة على مجالاتنا الحيوية في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر، وأولها: مجال القيم الحضارية ذاتها، والتي تأسست عليها هويتنا العربية الإسلامية، ثم مجال لغتنا العربية التي كادت تتآكل أمام سيل المواد الفنيــة والإعلامية، وطوفان اللغات والمفردات والأنماط السلوكية والاستهلاكية والثقافات الوافدة، ثم وقوف وسائل الإعلام بقوة وراء هذا الطوفان الغريب.. ومن وجهة نظري فإن هذا الوافد في حد ذاته، ومجردًا عن أية ملابسات أخرى، قد لا يكون كله شرًا أو قبيحًا، لكنه شر وقبيح حين يستبد هذا الوافد بالساحة وينفرد باللعب على مسرحها، وحين تهتز لغة الوطن الأم وتتدهور ويزدريها أهلها ويتوارون منها خجلًا وحياءً، وأذكر في هذا المقام - أيها السادة - أن كثيراً من المؤسسات العربية التعليمية وغير التعليمية تعقد اجتماعاتها باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ومن لا يعرف هذه اللغات من أعضاء الاجتماع يُترجَم له إلى العربية، علمًا بأنهم في اجتماعاتهم هذه عرب خلّص، ولا يوجد بينهم أجنبي واحد، فهل هناك هوان واغتراب للعربية على أرضها وترابها وبين أبنائها أشد وأقسى من هذا الاغتراب؟ ولست أرتاب في أن الثورة الإعلامية التي نعيشها الآن قادرة بفضل جهودكم على أن تعيد الحياة إلى لغتنا العربية، وأن ترجعها إلى شبابها الجميل الرقراق، فلم يعد معقولًا ولا مقبولًا أن تكون لغة الصحافة والكتابة والتأليف والأدب في القرن الماضي أغنى وأثرى وأعمق من لغة اليوم في كل المجالات.. ولعلّي لا أعدو الحقيقة لو قلت إن أية لغة أخرى – بما فيها الإنجليزية وأخواتها – لو واجهت ما واجهته اللغة العربية من حملات التشويه والهدم والازدراء والعبث، لتلاشت واندثرت وأصبحت أثرًا من آثار المتاحف أو درسًا من دروس اللغات المنقرضة، واللغة العربية إنما قاومت وستظل تقاوم عوامل الفناء التي تتربص بها بفضل من القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه وحفظ لغته..
واسمحوا لي - أيها السادة والسيدات ! - أن أتقدم بنصيحتي إلى إخوتي الصحفيين والإعلاميين العرب بمراعاة حرمة اللغة العربية في عقر دارها، وهم ليسوا بأقل من زملائهم أبناء اللغات الأخرى في دفاعهم وحمايتهم للُغاتهم، ونحن لا ننكر إنه كان للإعلام العربي مقروءًا ومسموعًا، الفضلُ الأكبر في تطوُّر اللغة العربية، واكتسابها قدراً غير قليل من المرونة والحيويَّة والمعاصرة، ولكن نظرةً واحدةً مثلاً إلى الإصدارات الأولى لجريدةٍ كالأهرام، ومجلةٍ كالهلال، وما كانت عليه العِبارة الصحفيَّة في أواخر القرن التاسع عشر، والقرن العشرين إلى السبعينيات منه ثم إلى أساليب التعبير الصحفي اليومَ في مطالع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أقول: إنَّ نظرةً واحدة تكفي لبيان الفرق الشاسع في الحيويَّة والمرونة والكفاءة التعبيرية، والشيء نفسه يقال بالنسبة للإذاعة المصرية المسموعة - التي بدَأتْ في الثلاثينات، والمرئية التي بدأت في الستينيات من القرن الماضي، وما أضافتاه إلى الأدب العربي من القصَّة والمسرحية الإذاعية والدروس الدِّينية الصباحية، وما أصبح يشغَلُ الناس من مسرحيَّات مرئية مثل المسلسلات»، وكل أولئك ألوانٌ من الإبداع الإعلامي والفني بالغِ التأثير في الوجدان الشعبي، وفي التطوُّرات السياسية.
فعلى الصحافة العربيَّة، وعلى الإذاعة المسموعة/المرئية أنْ تُحافظ على تراث الأسلاف، وتحفظ حرمة لغة الضاد، وتتجنَّب العامِّيَّات الفقيرة الإمكانات والانتشار.
وأمر آخر كان للإعلام العربي المعاصر أثر بالغ السوء في سرعة انتشاره بين الشباب وتأثرهم به في نمط التفكير وأسلوب الحوار، إنه الفوضى الفكرية، وطريقة الحوار الموجه منذ أول حرف فيه، للوصول في النهاية إلى نتيجة معدة سلفًا.. والذين درسوا قواعد الحوار أو ضوابط الجدل أو ما يسمى بأدب البحث والمناظرة، يعانون – كثيرًا– من حالات التيه التي تُخيِّم على هذه البرامج، وتتشوه فيها الحقائق، وتختلط الأوراق، ويضيع الطريق منذ بداية الحوار من تحت أقدام المتحاورِين .. وسبب ذلك فيما أرى أن القناة الإعلامية التي تنحو هذا المنحى ليست لديها قضية علمية أو سياسية أو دينية أو غيرها تريد أن تصل منها إلى نتيجةٍ ما عبر الحوار، ولكن لديها هدف آخر يتنافى مع قواعد الحوار التي يعرفها الناس شرقًا وغربًا، هـــذا الهـــدف هــــو "صدام المتحاورَيْن " وإثارتهما واستعداء كل منهما على الآخر، وبصورة منكرة تخرج على كل الأعراف والتقاليد وبحيث تنطبع صورة الحوار العربي في عيون المشاهدين وأذهانهم، في هذا الشكل المتخلف الرديء ويبدو أن هذه الصورة القبيحة هي الرسالة الأهم التي تُعني بعض القنوات أو المحطات الفضائية، بإرسالها للعالم كله.. ورحم الله إعلاماً كان الناس يتعلمون منه آداب التعامل وقواعد التجمل، ويتعلمون آداب الحديث من محطاته الإذاعية، وذلك رغم الظروف الصعبة والقيود المفروضة آنذاك، وقد كانت هذه النوافذ الإعلامية تقوم بدور الأستاذ والمعلم والمربي، وكانت الجماهير بمختلف مراحلها العمرية تجلس منها مجلس التلميذ من الأستاذ، واليوم تتعلم الجماهير من بعض الفضائيات ثقافة رفع الصوت والتحدث الجماعي الذي لا يسمع فيه المحاور محاوره، والعبارات الرديئة التي تُلقى بغير حساب، ولا اكتراث، وما هو أسوأ من ذلك وأردأ، وكل ذلك ينغرس في وجدان الصغار والكبار ويترسخ في أخيلتهم شيئًا فشيئًا حتى يصبح سلوكًا تلقائيًا لا يرون فيه أنهم جاؤوا شيئًا نكرًا.. إن هذا السلوك الهدَّام سببه غياب المِهنية أو الحِرفية وغياب ثقافة الإتقان، والقدرة على المتابعة الدائمة لأحوال عالمنا العربي والإسلامي ، وأحوال العالَم كله من حولنا، والتمييز بين ما يناسب وما لا يناسب، وإنتاج فكر إعلامي موضوعي يتعامل مع الواقع الذي قد يكون مترديًا هنا أو هناك، لكنه في كل الأحوال إعلام قادر-لو شاء- أن يرتقي بهذا الواقع، ويسهم في انتشاله من حالة التردي..
إن الحِرفية الإعلامية – أيها الإخوة – هي التي رفعت أعلام الصحفيين، وصنعت الصحف والمجلات العالمية والشهيرة، إنها ثقافة الإتقان والتّمكُّن التي تصنع الإعلام الموجِّه لا الموجَّه، وقيمة الإتقان هي قيمةٌ أصيلة متجذرة في ثقافتنا العربية الإسلامية: " إِنّ اللَّهَ يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ " () ويجب أن نعترف بأن هذا كله هو ما ينقص إعلامنا نحن العرب في هذه المرحلة، وذلك برغم كل ما حققناه من إنجاز ونهضة وبناء..
والأمر الأخير والذي يقلقنا جميعًا في إعلامنا المعاصر هو برامج فوضى الفتاوى الشاذة والجدال في الدين بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير.. وهذه آفة كبرى، لبست ثوب الدين ونزلت إلى الناس وحسبوها العلم الذي لا علم غيره، وصادفت منهم قلبًا خاليًا فتمكنت منهم، وبسبب هذه البرامج انتقلت الخلافات التي كانت هي من سفساف الأمور وتوافهها، انتقلت إلى حياة الناس بتأثير الإعلام وانقلبت إلى دين وشريعةٍ وإسلامٍ، بل شكَّلت حدودًا وحواجز بين من يطبقها فيكون مسلمًا ومن يعرض عنها فيكون خارجًا أو على الأقل فاسقًا وعاصيًا ومبتدعًا.. هذه التوافه من القضايا الفارغة تخصص لها برامج إعلامية قد لا تكون الأكثر مشاهدة، لكنها بكل تأكيد الأكثر تأثيرًا، لأنها ترتدي عباءة الدين وتتحدث باسمه.. ناهيك عن عشرات القنوات التي تخصصت في زرع الفتنة بين المسلمين أنفسهم، وبذر بذور الشقاق والصراع بين أبناء الدين الواحد،واستخدمت فيها أساطير قديمة عفى عليها الزمن وأصبحت في ذمة التاريخ، ووظِّفت للمساس بأصول الأمة والإساءة إلى رموزها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار الأبرار .. وكلها تعمل من أجل حسابات لا تصب أبدًا في مصلحة الأمة العربية والإسلامية.
إن هذا التشويه الذي ينال من الإسلام وشريعته في الداخل بتأثير من عدم المعرفة والفهم الصحيح للدين وعلومه هو قرين التشويه الذي ينال من هذا الدين الحنيف في الخارج بتأثير من الموقف العدائي الموروث في الثقافة الغربية تجاه الإسلام..
ومن جانبي أرى واجبًا على إخـواني الإعلاميين من العـرب والمسلمين وشـــرفاء الإعلام والمثقفين في العالم كله، أن يعملوا على تصحيح صورة " الإسلام " و" الشخصية العربية" اللتين تتعرضان لتشويه نمطي كأنه مُبرمَج، على ألسنة إعلاميين وساسة بل في أقوال بعض رجال الدين في الغرب ومحاضراتهم، وذلك رغم التوافق الدولي على عدم الإساءة إلى المقدسات والرموز الدينية، دور العبادة وينسى المسئولون والإعلاميون الغربيون أن أحدًا من كلا الجانبين لن يفيد من هذه الحملات؛ بما تخلفه من حقد وكراهية، وتثيره من إحن تاريخية، تجاوزتها الإنسانية، كما تنم عن جهل بدين الإسلام الحنيف وبواقع المسلمين، وما تشنه بعض القوى الغربية فيما يسمى بحرب الإرهاب، وما يرتكب فيها من عارٍ يَشين أية حضـارة أو أمـــة؛ في جوانتانامو وأبي غريب وأمثالها من مناطق عِدة في العالم ، إنما هو صبُّ للزيت على النار.
إنني - في نهاية كلمتي أيها الإخوة ! - أدعو إلى ممارسة حرية الكلمة وحرية التعبير في كل رأي وفكر وإبداع، لكني أدعو في الوقت نفسه إلى ضرورة التقيد بمراعاة تقاليد ثقافتنا وثوابت مجتمعاتنا في أمانة الكلمة وعفة اللسان وحُسن النوايا، وعدم المساس بالآخرين.. وليكن دستورنا قوله صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه " والعرض بمفهومه الأعم ينطبق على معنى السمعة واحترام الذات والحفاظ على الكرامة الشخصية.. فالخصوصية الشخصية الفردية أو الأسرية أمر مقدس وواجب الاحترام دينًا وعرفًا وهو ما تتبناه الآن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.
شـــكرًا لحُسن استماعكم ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :