ترددت كثيرا قبل الكتابة في هذا الموضوع، وخصوصا أن العديد من الأخوة الأفاضل تناولوه من جهاتٍ عدة، وخصوصا ما يخص الزملاء أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الرسمية. إلا أن تصريحات وزير العمل السابق اللاحق فتحت الباب لهذه الكلمات. لقد صرح معاليه مؤخرا بـ "ضرورة ربط رواتب التقاعد بنسبة التضخم" وأكد أن مسودة التعديلات المقترحة على قانون العمل هي الآن قيد الدراسة وقد كانت معروضة على مجلس الوزراء بانتظار أن تمر بمراحلها الدستورية تمهيدا لإقرارها. نثمـّن للحكومة تفكيرها بهذه الطريقة العلمية العملية الحديثة من حيث أهمية ربط نسبة التضخم برواتب التقاعد، ولكن قبل ذلك يا حكومة يجب ربط الرواتب الحالية بنسبة التضخم، تلك الرواتب "المنتوفة" التي أصبحت تساوى أقل من نصف ما كانت عليه قبل حقبة قليلة من الزمن.
يمكن تعريف التضخم على أنه الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، سواء كان هذا الارتفاع ناتجاً عن زيادة كمية النقد، بشكل يجعله اكبر من حجم السلع المتاحة، أو العكس، أي انه ناجم عن زيادة في الإنتاج فائضة عن الطلب الكلي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلا عن الدور المغذي للتوقعات التضخمية. ليس التضخم هو ارتفاع الأسعار فحسب، بل هو جزء من صميم الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، والأزمات التي يمر بها كل بلد ما، انه سبب البطالة وأزمة السكن وارتفاع أجور النقل، وانخفاض الغلة الزراعية والكوارث، والتخريب والتهريب والحروب وهبوط سعر النقد المحلي في أسواق العملة، وتوقف النمو وتباطئه، وعدم الاستقرار والفساد. علما ً أن الاتجاه الواسع نحو الاستهلاك يؤدي الى خلق مجتمع استهلاكي، الذي هو مجتمع التضخم أيضا لارتباط احدهما بالآخر.
بغض النظر عن السبب، فإن أحد نواتج التضخم هو النقصان في القوة الشرائية للعملة، مما يسبب ضعف في قدرة تلك العملة على شراء نفس المنتج الذي كنت تشتريه في العام الماضي. فعلى سبيل المثال إذا كان ثمن منتج ما عام 1987 دينار واحد وهو ألان أربعة دنانير، يعكس ذلك تضخم بنسبة 300% خلال عشرين عاما تقريبا ً أو ما يساوي 15% سنويا ً. قس على ذلك ما حولك من بضائع. وقد بلغ معدل التضخم السنوي في المملكة الأردنية الهاشمية لعام 2006 مقارنة بعام 2005 ما نسبته 6.25 % وفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، وهذه نسبة تعتبر طبيعية مقارنة بدول العالم الأخرى. إن الموظفين في القطاعين العام و الخاص حاليا ً هم الحلقة الأضعف في مجتمعنا، حيث ينتف راتبهم سنويا ً أمام أعينيهم بنسبة التضخم هذه ولا يملكون حراكا ً.
عادة ما يُربط سلم الرواتب بنسبة التضخم السنوية، والهدف من هذه الزيادة هو محافظة الموظف على مستوى معيشة كريم ثابت بالرغم من ارتفاع الأسعار من حوله جراء التضخم. فقيمة هذه الزيادة في الراتب لا تذهب إلى جيب الموظف بل على العكس هي لتغطية الارتفاع في فواتير الغذاء والدواء والنقل والمحروقات والضرائب وغير ذلك من المصاريف. أحد الزملاء قال أنه مضى على عمله في إحدى الجامعات الحكومية عشرون عاما ً، وأضاف أن من يعين من الزملاء الجدد اليوم يأخذ حوالي 15% عما كان يأخذه هو آنذاك، بينما حسب نسبة التضخم، فيجب أن يأخذ زيادة مقدارها 100%، هذا إذا أردنا المحافظة على نفس القوة الشرائية ومستوى الحياة.
إذا كانت تتجه النية لدى الجهات الحكومة أو الجامعات أو غيرهم لزيادة الرواتب المنتوفة بنسبة هزيلة متآكلة أصلا ً، فإن عدم زيادتها وبقائها كما هي أشرف، وخصوصا ً في ظل التضخم المتوقع في مختلف مناحي الحياة العام المقبل جراء تعويم أسعار المحروقات، ويقول المثل "إذا ضربت أوجع وإذا أطعمت أشبع" ولكن يبدو أن العين بصيرة ......
abbasi@ju.edu.jo