رسائل يبعثها القرضاوي من غزة
نقولا ناصر
13-05-2013 08:11 PM
عمون - إن تحريض الشيخ القرضاوي على سورية من قلب بيت الضيافة الحمساوي في غزة رسالة سافرة ل "الوقيعة" بين حركة حماس وبين سورية وإيران أبدت الحركة حرصها على عدم الانسياق لها)
جريدة "العرب" الدولية اللندنية ليست متعاطفة مع الحكم في سورية، وتملكها أسرة ليبية مخضرمة في معارضتها لحكم الزعيم الليبيي الراحل معمر القذافي، وهي حريصة على التزام أكبر قدر من الموضوعية والمهنية حرصا على توزيعها في الدول العربية، لذلك فإنها عندما تنقل عن "مصادر مقربة" من حركة حماس الفلسطينية قول القيادي في الحركة الطبيب محمود الزهار إن "أي شخص يأتي من جهة قطر .. لا يحمل إلا رسائل أمريكية وإسرائيلية"، وتنشر ذلك بالتزامن مع زيارة لغزة يقوم بها رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. يوسف القرضاوي، الذي يحمل جنسية قطر وجواز سفرها ويقيم فيها وتنقله إلى مطار العريش المصري على مقربة من القطاع المحاصر طائرة قطرية خصصها ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني له وللوفد الذي يرأسه، فإن المراقب لا يسعه إلا أن يحاول استقراء "الرسائل الأمريكية" التي حملها الشيخ القرضاوي معه إلى غزة.
وكانت هناك فعلا رسالة أمريكية – قطرية للزيارة بشأن سورية، أعلنها القرضاوي صريحة في خطبة الجمعة الماضية بالمسجد العمري في غزة، فوفر على المراقبين مهمة التحليل والاستنتاج، عندما أعرب عن ثقته ب"النصر القريب"، الذي يتمناه هو وقطر والولايات المتحدة، على نظام الرئيس السوري بشار الأسد "الذي سيأخذه الله اخذ عزيز مقتدر" هو "وأتباعه وكل من يؤيده ويدعمه بالمال أو السلاح"، من دون أن يكرر ما تمناه علنا قبل بضعة أيام في خطبة أخرى بقطر بأن تكون يد الله "أمريكية" في تحقيق أمنيته عندما دعا الولايات المتحدة إلى أن "تقف وقفة رجولة، وقفة لله، وقفة للحق والخير وتتدخل للدفع عن الشعب السوري"، متجاهلا فتواه في 14 نيسان / أبريل 2004 بمقاطعة المنتجات الأمريكية.
ومن الواضح أن هناك أسبابا قاهرة يستبعد منها عدم الإدراك أو التقدم في السن فرضت على علامة بوزن القرضاوي له أكثر من (120) مؤلفا أن يتجاهل رؤية الأيادي الأميركية الملطخة بدماء ملايين العرب والمسلمين في العراق وأفغانستان، ناهيك عن دماء إخوانهم التي لم تجف بعد في سورية بعد العدوان الإسرائيلي الأخير بالأسلحة الأمريكية على أهداف في ضواحي دمشق، وفرضت عليه أيضا تجاهل حساسية عرب فلسطين في عقر دارهم تجاه الولايات المتحدة التي يعدونها شريكا لدولة الاحتلال الإسرائيلي والقوة العاتية الوحيدة التي تحول بينهم وبين تحرير وطنهم، وليتجاهل كذلك موقع سورية في وجدانهم الوطني كحاضنة تاريخية لمقاومتهم ضد هذا الاحتلال، بحيث يتحول استقواؤه بأمريكا على سورية إلى إهانة لعقولهم واستهانة بمشاعرهم.
لقد اتهم القيادي في حركة حماس صلاح البردويل حركة فتح المنافسة وسلطة الحكم الذاتي التي تقودها في رام الله بأنهما في معارضتهما لزيارة القرضاوي "مستعدون لاستخدام كافة الأسلحة .. في محاولة للوقيعة بيننا وبين سورية وإيران، وهي محاولات مكشوفة لم ننسق لها"، وكان الأحرى بالسيد البردويل أن يوجه هذا الاتهام للقرضاوي نفسه، فاستمرار تحريضه على سورية من قلب بيت الضيافة الحمساوي في غزة لا يمكن تفسيره إلا بمحاولة سافرة لهذه "الوقيعة" التي أبدى البردويل حرصه على عدم انسياق الحركة لها، إذ بالرغم من تأكيد القرضاوي في غزة على "المقاومة" وتعهده بأنه "لن نتخلى عن المقاومة" فإن دفع هذه المقاومة إلى الأحضان الأمريكية، التي ترى في المقاومة صنو "الإرهاب"، و"الوقيعة" بينها وبين حاضنتها التاريخية يرقى عمليا إلى حرمانها من التسليح والتدريب والإمداد والدعم الطبيعي لها وتفريغها من مضمونها.
وإذا كان القرضاوي مدركا لحرص حماس على تجنب الانسياق إلى هذه الوقيعة فإن تحريضه ضد سورية من غزة يتحول إلى استفزاز لها في عقر دارها لا يفيد الحركة التغطية عليه بحصر توجيه الاتهام ب"الوقيعة" لفتح وسلطتها فقط، فالوقيعة بين حماس كحركة مقاومة للتحرر الوطني وبين حاضنتها السورية والإيرانية كانت رسالة أمريكية – قطرية ثانية في زيارة القرضاوي لغزة لا يمكن تسويغها بحسن النية في ضوء معارضة حماس المعلنة الأخيرة للمشروع القطري – الأمريكي لتعديل مبادرة السلام العربية كي تجيز مبدأ تبادل الأراضي الفلسطينية مع دولة الاحتلال.
وفي ضوء التقارير الإعلامية عن وجود اختلاف داخل حركة حماس ناجم عن التجاذب الدموي بين سورية وبين قطر، يصبح قول "مصادر مقربة من حماس" ل "العرب" اللندنية إن زيارة القرضاوي لغزة "تهدد بإثارة أزمة كبيرة داخل الحركة شبيهة بالأزمة التي أحدثتها زيارة أمير قطر في تشرين الأول الماضي" احتمالا واقعيا يبعث برسالة قطرية – أمريكية ثالثة تستهدف تصفية أي معارضة داخل الحركة لاحتوائها ضمن الامتدادات العربية للاستراتيجية الأمريكية الإقليمية، وهي رسالة تذكر بالتوقيت الذي اختارته دولة الاحتلال الإسرائيلي، غداة زيارة الأمير القطري لغزة، لاغتيال القائد العسكري للحركة الشهيد أحمد الجعبري الذي كان حريصا على أن لا تكون علاقاتها العربية على حساب العمق السوري والإيراني للمقاومة الفلسطينية.
أما الرسالة القطرية – الأمريكية الرابعة للزيارة فتتمثل في تسعير الانقسام الفلسطيني، إذ بالرغم من إعلان الشيخ القرضاوي أن "الوحدة الوطنية" أساس لتحرير فلسطين وانه "لا ينبغي أن يكون الشعب (الفلسطيني) شعبان والبلد بلدان"، وأن كل من يؤيد الاختلاف بين الفلسطينيين "مجرم وآثم"، فقد كان تسعير الانقسام الفلسطيني هو النتيجة العملية الواضحة لزيارته.
فوزارة الداخلية في رام الله تصرح بأنها عممت على كل دول العالم أن جواز السفر الفلسطيني الذي منحه رئيس وزراء الحكومة المقالة في غزة اسماعيل هنية للقرضاوي هو جواز سفر مزور لأنه لم يصدر عنها، وترد عليها وزارة الداخلية في غزة بأن تصريحاتها في هذا الشأن "وقحة"، ليتحول جواز سفر القرضاوي الدبلوماسي الفلسطيني إلى رمز معركة إعلامية ضارية بين قطبي الانقسام الفلسطيني حول شرعية تمثيل كل منهما للشعب الفلسطيني، وهي معركة مستمرة مستفحلة خلفها القرضاوي وراءه.