المعارضة القوية .. هل هي ضمانة للاستقرار؟
د. فارس بريزات
25-12-2007 02:00 AM
يُروى أن جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال اجتمع ذات يوم مع مجموعة من وزراء حكومته وحدثهم عن نتائج زيارة قام بها للولايات المتحدة التقى خلالها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش. إحدى الأفكار التي تحدث عنها جلالة المغفور له كانت ضرورة وجود معارضة قوية للحكومات. ليس غريباً أن يقول جلالته هذا الكلام. فهو الذي عاش أحلك ظروف الحياة السياسية في تقلباتها المحلية والإقليمية والدولية ويعي تماماً أن وجود معارضة قوية داخل البرلمان هي ضرورة أمن وطني. ولعلنا نتذكر جميعاً الموقف التركي عام 2003 عندما طلبت الحكومة الأمريكية من نظيرتها التركية استخدام الأراضي التركية لغزو العراق وأحالت الحكومة التركية ذلك الطلب للبرلمان الذي رفض هذا الطلب ولم تتلطخ سمعة تركيا بمأساة العراق. نتائج الانتخابات البرلمانية لمجلس النواب الخامس عشر والثقة الذهبية التي حصلت عليها الحكومة تؤكد أن التركيبة السياسية الراهنة بحاجة لنوع من التوازن السياسي اللازم لضمان أداء سياسي داخلي أفضل من السابق- لو كان أداء الحكومات ممتازاً لما تغيرت بهذه السرعة. وبالمقارنة مع حالات أخرى في العالم هناك ما يمكن الاستفادة منه لتطوير تجربتنا على الرغم من أن كل بلد له ظروفه الخاصة إلا أن هذا لا يمنع أن نستفيد من تجارب غيرنا بدل أن نكرر الأخطاء ونتأخر.
شهدت الديمقراطيات النامية حالات من الصراع السياسي القوي أثناء فترات التحول نحو الديمقراطية الناضجة - أي التداول السلمي للسلطة من خلال صندوق الاقتراع. وأفرزت في عدد من دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وأفريقيا حالات متقدمة من الممارسة السياسية الديمقراطية. وعلى الرغم من حالة الاستقرار الأمني التي ينعم بها الأردن مقارنة بغيره من الدول التي بدأت بالتحول نحو الديمقراطية منذ عام 1989، إلا أن الأردن لا زال يمر بمرحلة التحول نحو الديمقراطية السياسية وهي من أطول فترات التحول في الموجة الثالثة من الدمقرطة في العالم. ومن الظواهر السياسية التي رافقت طول هذه التجربة التراجع التدريجي والبطيء في ثقة الأردنيين بحكوماتهم المتعاقبة في التعامل مع القضايا الأساسية من ارتفاع أسعار، وفقر، وبطالة وتخفيفها إذا لم تكن قادرة على حلها. الظاهرة السياسية الأخرى هي كثرة عدد الأحزاب السياسية وعدم تمكنها من تحقيق مكاسب شعبية أو زيادة حصتها في التمثيل السياسي النيابي والنقابي بما يعكس عمرها العملي. الظاهرة الثالثة هي تراجع ثقة المواطنين بقدرة مجلس النواب على التأثير في حياتهم ايجابياً. الظاهرة الرابعة هي عدم حدوث تغير ذي معنى في مستويات الثقة بين أفراد المجتمع حيث بلغ معدل الثقة البينية Interpersonal Trust نحو 28%.
الحكومة ومجلس النواب والأحزاب السياسية فاعلون في المجال العام ويقدمون انجازاتهم للناس الذين هم سبب وجود هذه المؤسسات. قد تجادل هذه المؤسسات أنها أنجزت الكثير من أجل الناس. وهذا صحيح، كل المؤسسات تنجز وتقدم خدمات. لكن إذا كان التقييم العام في تراجع فلا بد من محاولة فهم الأسباب المحتملة لذلك. اولاً، أن هذه المؤسسات لا تستطيع إيصال معلومات عن ما تقوم به من انجازات للناس من خلال وسائل الاتصال المتاحة لها. ثانياً، أن الناس غير معنيين بما تقوله لهم هذه المؤسسات لأنها قائمة من اجلهم وما تقوم به هو واجبها تجاههم لذلك يطالبون بالمزيد من الانجاز والخدمات أكثر مما يثنون على ما تم القيام به. ثالثا، أن ما تقوم به هذه المؤسسات لا يستجيب لحجم المطلوب منها لذلك تبدو انجازاتها متواضعة مما يؤدي لتراجع تقييم أدائها. رابعاً، أن آليات تشكيل هذه المؤسسات والقوانين الناظمة لها تشكل محددات على قدرتها الانجازية مثل آلية تشكيل الحكومات، قانون الانتخاب، وقانون الأحزاب. خامساً، ربما يكون المواطن غير مستعد للإعتراف بالنمو الاقتصادي لأنه لا يشعر بنتائجه عليه. سادساً، ربما يكون ضعف وجود المعارضة السياسية البرامجية الجادة في البرلمانات المتعاقبة، هو الذي أدى إلى نوع من الارتجال في تنفيذ البرامج التنموية الاقتصادية-الاجتماعية مما لم ينعكس ايجابياً على المجتمع بشكل عام وإن أنعكس على بعض أفراده.
وجود معارضة سياسية برامجية قوية يؤدي إلى حوار سياسي راشد يُفضي إلى تسويات بين المصالح المتضاربة ويحد من النزوع نحو احتكار المعرفة في إدارة دولة الجميع. المعارضة القوية هي تعبير عن اتساع الوطن للجميع وعن التنوع في إطار الوحدة وليس عبئاً على الوطن. وهي تُشكل ضمانة إضافية للاستقرار.
............................................................................................
* الكاتب نائب رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية الجامعة الأردنية .
f.braizat@css-jordan.org