"وادي عربة " ماتت؛ فلندفنها
ناهض حتر
12-05-2013 05:44 AM
أصبحت معاهدة وادي عربة من الماضي. أقول هذا اليوم من موقع الدولة، وليس فقط من موقع المعارضة.
سأقول لكم الآن ما هو جوهر معاهدة وادي عربة من وجهة نظر الدولة: إنها معاهدة استراتيجية أرادها الراحل الملك حسين لتحقيق هدفين، إحقاق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، ووأد مشروع الوطن البديل. والهدفان مترابطان عضويا؛ فالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة كيان فلسطيني فيها، يعني إعادة تأسيس المجتمع الفلسطيني على أرضه الوطنية، وليس فقط عودة النازحين أو قسما منهم، واللاجئين من لبنان وسورية أو قسما منهم، بل تشكيل عملية وطنية جاذبة لأكثر عناصر فلسطينيي الشتات حيوية. وبالمحصلة، فإن نجاح المجتمع الفلسطيني في اعادة تأسيس نفسه، سوف يشل مشروع الوطن البديل.
في مقابل هذين الهدفين الاستراتيجيين، قدم الجانب الأردني تنازلات عميقة في حقوق الأردن في الأراضي والمياه وقبل بالتطبيع والتنسيق الأمني وتخفيض المناعة الدفاعية للبلاد، والتجاوز عن السيادة في الباقورة والغمر الخ...
كل هذه التنازلات الأردنية بقيت قائمة، تستغلها إسرائيل، بينما هي لم تمض خطوة واحدة في الاستجابة للهدفين الاستراتيجيين الأردنيين؛ فقد استمر الاحتلال والاستيطان والاستيلاء على الأراضي، وحصار المدن والبلدات، والتضييق الاقتصادي على حياة الناس، وتزايدت الحواجز وبقي آلاف المعتقلين في الأصفاد، وتواصل القمع والعدوان بكل أشكاله ضد شعبنا في الضفة وغزة.
وكل ذلك، يشكّل، بحد ذاته، أرضية مصممة للتهجير المستمر أو ما يسمى الترانسفير الناعم باتجاه الأردن، كذلك، فإن يأس النخب الفلسطينية من نشوء دولتها الوطنية، دفعت تيارات منها إلى التفكير بالأردن كوطن بديل من خلال الضغوط التي ترعاها الولايات المتحدة للتجنيس والتوطين والمحاصصة، في سياق تحويل محتوى الدولة الأردنية من داخلها.
لكن حتى الوطن البديل، كمشروع جيوبولوتيكي كامل، لا يزال يشكل حتى الآن، القطبة المخفية في مجمل الاستراتيجية الإسرائيلية، وموضع إيمان قوى رئيسية في الكيان الصهيوني.
هكذا، أصبحت معاهدة وادي عربة، شراكة خاسرة، بل وليست ذات موضوع. وهو ما يفرض، منطقيا، إلغاءها.
نأتي الآن إلى ميزان القوى؛ ففي عام 1994، كان ميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي، مختلا لصالح إسرائيل، ما جعل المفاوضات والتنازلات والمعاهدة والاتفاقات، تقع في سياق الهزيمة الشاملة، بعد ضرب العراق وتفكك الاتحاد السوفياتي، وانفصال منظمة التحرير الفلسطينية عن مظلة عمان في أوسلو 1993.
لم يعد ميزان القوى، اليوم، هو نفسه؛ فالعالم يشهد تعدد القطبية، وعاد المحور الصيني الروسي ندا للولايات المتحدة والغرب، وعلى المستوى الإقليمي ظهرت قوة جبارة معادية لإسرائيل هي إيران، واستطاع العراق طرد الغزاة الأميركيين عن أرضه، مسببا للولايات المتحدة عقدة لن تشفى منها قبل عقد من الزمان، ولا ننسى قوة حزب الله التي فرضت على العدو الإسرائيلي ، انسحابا بلا شروط من جنوبي لبنان، وكبّدته هزيمة مُرّة برد عدوانه على الأراضي اللبنانية عام 2006.
والآن، اتخذت سورية، الجريحة والصامدة، قرارا استراتيجيا بإنهاء هدنة 1974، وفتح الجولان للمقاومة. وعلى الفور، تشكلت حركة مقاومة سورية من الشيوعيين والسوريين القوميين الاجتماعيين، وهذا بالغ الأهمية من الناحية السياسية، لكن الأهم من الناحية العملية والاستراتيجية، أن مقاتلي حزب الله المدربين المجربين سيكونون عما قريب في الجولان. المقاومة السورية اللبنانية في الجولان، أصبحت على شفا الانطلاق. وهي ستغير الموقف الإقليمي كله.
هذه فرصتنا التاريخية، لكي نتخلص من التزامات وادي عربة المذلة وغير المجدية والضارة بأمننا الوطني معا؛ نحن، أيضا، لدينا حقوق مسلوبة ومياه مسروقة وأراض مستعاد بعضها ولكن بلا سيادة وأراض محتلة فعلا أهمها قرية أم الرشراش المسماة إيلات، ولدينا نازحون ينبغي أن يعودوا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 338 ولاجئون ينبغي أن نسترد حقوقهم بالعودة والتعويض، مثلما لدينا عهدة لا نبرأ منها ولا نتبرأ، وبذل أجدادنا على أسوارها الدماء، أعني القدس الشريف.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم