ما الحياة إلا مجموعة من الأمنيات نسعى لتحقيقها على مختلف الصُعُد الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. هذه الأيام ينشغل الناس بالأمنيات السياسية للبلد و يسعون لإصلاحها و تحقيقها. و هم على اختلاف مشاربهم السياسية يسعون ظاهرياً لذات الهدف. للأسف نلقي دائماً الكرة بمرمى الغير و هنا أقصد الحكومة لتحقيق هذا الإصلاح و لكننا ننسى أو نتناسى جميعا دورنا نحن في هذا، و نحصره في التظاهر و الاعتصام و نقفز عن موضوع إصلاح النفس، ربما لأنه أصعب الأمور.
و لهذا فإن إصلاح النفس لا يلقى مؤيدين، و نصبُّ جام غضبنا على من يقدم هذا النوع من الإصلاح على باقي الإصلاحات، أو عندما يطلب أن يكون هذا النوع الأساس من الإصلاح متازمناً و مواكباً للإصلاح السياسي. أما إذا تجرأ أحد الخطباء بالمساجد أو مشارك بمقال أو على الفيس بوك على الحديث عنه فإن التهمة جاهزة طبعاً وهي أنه موالي أو غافل و لا يعرف شيئاً بالإصلاح.
إن الاصلاح الذاتي لا يحتاج مسيرات و لا اعتصامات. إنما يحتاج لاعتصام مع النفس مرتين في اليوم: مساءً لاستعراض سلوكنا اليومي السابق لتقيمه، و صباحاً للوعد بأن يكون سلوكنا مختلفاً في هذا اليوم عن اليوم السابق. لكن المختلف في هذا النوع من الإصلاح أنه يحتاج الى الشجاعة أمام النفس، و هي شجاعة تفوق تلك المطلوبة للمشاركة حتى بثورة يعود بها صاحبها إما محمولاً على الأكتاف (شهيدا) أو مشجوج الرأس أو مفقوء العين أو بملف أمني عند المخابرات وذلك أضعف النتائج. لهذا سماه الرسول صلى الله عليه و سلم الجهاد الأكبر.
لا نطلب من الإنسان أن ينقلب على ذاته، و نؤمن أيمانا قطعيا بمقولة الشاعر الانجليزي شكسبير الذي قال أن العالم مسرح كبير و منا نحن إلا ممثلون، فالإنسان يمارس أدواراً معينة بحكم عمره و خبرته و مكان تواجده، و هذا لا فساد فيه و لا يحتاج إلى إصلاح. نحن نقصد الإصلاح في تلك المسائل التي يكون الإنسان فيها ضد نفسه و ضد طبيعته البشرية؛ نحن نتحدث عن الشخص الذي يحمل بداخله ضده.
لهذا وضعتُ أمام مجموعة من الأصدقاء على الفيس بوك ذات بوست عدداً من الأمنيات، فقلت : لو أننا فقط نكون كما نكتب هنا و ننظّر على الغير؛ لو أننا نقبل الآخر كما نريده أن يقبلنا؛ لو أننا نُبطن كما نُظهر، و ليس العكس، ففي العادة يُظهر البعض شيئاً و يبطنون الأسوأ؛ لو أننا جميعاً لا نبحث عن وساطة عندما يتقدم أبناؤنا للتوظيف؛ لو أننا لم نقدم الأصلع على الأصلح و انتخبنا الأصلح أو وضعنا ورقة بيضاء إن لم يكن الأصلح موجوداُ؛ لو أننا حافظنا على ممتلكات الدائرة التي نعمل بها (المال العام) كما نحافظ على ممتلكاتنا الشخصية ببيوتنا؛ لو أن أصحاب أصحاب السعادة النواب تذكروا دوائرهم الانتخابية و ناخبيهم بعد النجاح؛ لو أننا نصلي في بيوتنا بنفس الخشوع كما نصلي أمام الناس في المسجد ؛ لو؛ لو .... و القائمة تطول. لو أننا أصلحنا أنفسنا جميعاً هل كنا سنحتاج إلى ربيع أو خريف؛ هذا مع اعتقادي أن معظم أصناف الربيع التي شهدنا لغاية هذه اللحظة لا علاقة لها بالإصلاح، و لم ينتج عنها إلا القتل و التشريد و الدم الذي يصبغ خرائط الوطن العربي من شرقه الى غربه.
نحن بحاجة إلى إصلاح داخلي بدرجة أكبر من حاجتنا إلى الإصلاح الخارجي بالذات، حتى يكون إصلاحنا إسماً على مسمى، و حتى لا يذهب فرعون فيأتينا من هو أشد فرعنة. فالإصلاح الحقيقي هو ما ينعكس على سلوكنا الشخصي قبل الحكومي. نريده إصلاحاً بكل الجوانب في البيت و الشارع و الجامعة. نريد أن نخرج من التنظير الى الواقع.
دعونا نخرج من حالة الضدّ بداخل أنفسنا ونقف أمام مرآة أنفسنا و لو مرة واحدة فقط.
دمتم بخير
alkhatatbeh@hotmail.com