عندما اندلق العرب دلقة سلام، مثلت طوق نجاة لإسرائيل، وقالوا إن التبادلية هي الحل، ولم يجدوا معارضة فلسطينية، كشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهوعن انيابه، وظهر كما هو على طبيعته، لإيمانه بعدم ضرورة المكياج السياسي، لأن الخصم وعلى ما يبدو بالنسبة له لا يستحق مثل هذه المناورات.
بعد هذه الدلقة التي أقرها مسؤولون عرب لا يشق لهم غبار في مجال صنع القرار، تحرك منجم اللؤم اليهودي ممثلا بعقلية بيبي نتنياهو، وأراد أن يعلمنا جميعاً درساً في الديمقراطية والتكتيك والمفاوضة.
أعلن نتنياهو فوراً أنه سيعرض أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين، على المستوطنين الإسرائيليين، من خلال استفتاء عام، وأنه سيلتزم بما يتفق عليه هؤلاء المستوطنون، وهو يعلم طبيعة وعقلية هؤلاء المستوطنين، وأعني بالمستوطنين كافة المهجرين اليهود بالقوة والتضليل من بلدانهم الأصلية إلى فلسطين منذ إصدار وعد بلفور في 2-11-1917 وحتى يومنا هذا.
لست في وارد نقاش مدى شرعية الحلول المطروحة لطي الملف الفلسطيني، ولا أرغب بالخوض في مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، ورفضها شارون في حينها، وقام على إثرها بإعادة إحتلال العديد من مدن الضفة الفلسطينية، تعبيرا منه عن رفضه لتلك المبادرة وعدم تقديره لمن أطلقها.كما أنني لست في وارد الحديث عن دور جامعة الدول العربية التي باتت لاعباً رئيساً في ما يطلق عليه موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لم يأت نتنياهو بجديد، لأن هذا هو ديدن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ بدء "أوكازيون" السلام، فعندما يجدون أنفسهم وقد حشرهم التنازل العربي، أو الضغط الأمريكي والأوروبي، يلجأون إلى حل الكنيست وإجراء إنتخابات جديدة، وكذلك حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.
وبصريح العبارة فإنهم ورغم أنهم يصدون كل الضغوط عليهم، يلجأون لخيار غربي المنشأ وهو الديمقراطية، أي أنهم- وهذا ليس مديحا لهم -يقولون للعالم إن لديهم "شعبا"وبرلمانا وحكومة، وأن هذه الخلطة مجتمعة هي التي تقرر مصير إسرائيل، وكل ما يتعلق بوسائل الاشتباك "السلمي" مع العرب والفلسطينيين.
ليس تجنيا القول إنهم أيضاً ومن خلال هذه الطريقة الخبيثة، يجسدون لعبة تبادل الأدوار،ويحققون من ورائها المكسب تلو المكسب، ولم لا والخصم لا يدري إلى أي قبلة يتجه لعدم إدراكه أصول اللعبة؟!
أما عند الحديث عن الواقع العربي ومن ضمنه الضحية الأزلية "الفلسطيني" فإننا نجد الحالة عكس المنطق ونواميس الطبيعة، لأن الرجل الأوحد الملهم الذي لولاه لما تنفسنا الهواء، يحسم الأمر على الهاتف، أو من خلال لقائه بأصغر موظف في الخارجية البريطانية او الأمريكية، ولاحقا بعد الاعترافات العلنية والسرية بإسرائيل، فقد أصبح السفير الإسرائيلي او الممثل السري كفيلا بإنهاء المطلوب،إذ يقدم الوطن وبمقدراته على طبق من طاعة عمياء.
ويكون بذلك قد ضرب بعرض الحائط، رغبات شعبه المغلوب على أمره والمغيب بحب قائده الملهم، وبرلمانه المعين وفق أحدث نظريات الفساد،وحكومته المنتقاة على مقياس المحسوبية والواسطة والمكافأة،ولأن الحديث عن الحكام الذين لا فروع لهم في الحكم حاليا، وزالوا بحكم نظرية سادوا ثم بادوا، لا يجر إلى المهالك، فإنني أذكر بما فعله السادات ومبارك؟!