«المملكة الأردنية الهاشمية»
سميح المعايطة
08-05-2013 05:27 AM
عنوان هذا الحديث ليس عن اسم الدولة، بل عن برنامج وطني، ومضمون سياسي واجتماعي وإعلامي، وربما في بعض المراحل، يتحول إلى معركة سياسية وغير سياسية، وقد عاشت الدولة في عقود مضت، معركة الاسم والمضمون، كما عاشتها أكثر من مرة بأشكال ومستويات مختلفة، ولايزال الأمر قائما .
ما نتحدث عنه ليس خيالا سياسيا، بل لأن العقد الأخير في عالمنا العربي، شهد تغييرات في مضامين وهويَّات، وحتى أسماء بعض دولنا، فالسودان اليوم دولتان، الجديدة منهما لها هويّة وتحالفات نقيضة للدولة الأم، والعراق بعد الاحتلال الامريكي، يخوض معركة هويته، بعد أن تشظّى بين الطوائف والعواصم ومعادلات الإقليم، وسوريا اليوم، دولة مجهولة المستقبل والهوية، في ظل مخاطر التقسيم، أو هيمنة التشدد والطائفية.
أما مصر بعد الثورة، فجوهر ما يجري فيها، صراع على هوية الدولة، بين ما كانت عليه وما يحاول الإخوان المسلمون تغييره، وفي البحرين تخوض الدولة معركة، جوهرها محاولة إيران فرض نفوذها وهويتها، تحت عنوان الإصلاح، وتونس بنظامها الإسلامي الجديد، بدأت منذ أول أيامه خوض معركة الهوية، مع التيار السلفي المتشدد المسلح.
أما فلسطين، فهي تخوض أكثر من معركة، منها البرنامج الصهيوني التهويدي للمقدسات، وتفريغ الأرض وتهجير الإنسان، وتخوض أيضا معركة ضد المشروع الصهيوني، ليهودية الدولة العبرية، الذي يعني إزالة الهوية العربية تماما من أراضي عام 48، وأيضا معركة مشتركة مع الأردن، في رفض فكرة الفدرالية أو الكونفدرالية، لأنهما عنوان لتضييع الهويتين، وخدمة المصالح الصهيونية.
«المملكة الأردنية الهاشمية « هو برنامج الأردنيين ودولتهم، في ظلّ منطقة مضطربة، وتغييرات كبرى ومفاجئة، وحالات التآمر التي تنتقل من جغرافيا لأخرى، لأسباب واعتبارات مختلفة، وأسس البرنامج ليست خطابا تقسيميا،
أو تعزيزا لخنادق أو بناء لغة تمييز وافتراق، بل في تعزيز مكانة الدستور أولا، وبناء حالة إصلاح وطنية سلمية راشدة، تدرك الفرق بين مكامن الخطر، ومساحات الإصلاح الحقيقي.
وهذا البرنامج جوهره، أن الأردن مملكة هاشمية، أي الحفاظ على شكل نظام الحكم ومرجعيته، وهذا الأمر في مواجهة دعوات لتهميش صلاحيات جلالة الملك، وتحويل الموقع إلى حالة شكليّة، شكليّة في الدور والحضور والمرجعية، وهي دعوات نهايتها، أن الأردن لن يعود مملكة هاشمية، حتى لو احتفظ بالاسم، وستكون بنية النظام السياسي جديدة، أي نظام جديد.
القضية ليست أن يكون في الأردن موقع الملك، بل أن يكون الموقع هو المرجعية السياسية والوطنية، وليس حالة شكلية، والتسلل إلى تغيير هوية الدولة، باعتبار هذا حالة إصلاحية، أمر يحتاج إلى اختبار، وهذا الأمر لايعني الذهاب إلى إصلاحات جوهرية، تعزز الحاكمية الرشيدة .
«المملكة الأردنية الهاشمية « نقيضها أن يتم إضعاف دور ومكانة المؤسسات الدستورية، وبناء صورة سلبية لها في أذهان الأردنيين، وتحويلها إلى رمز للترهل والفساد وسوء الأداء، ونتحدث عن التعميم في الأحكام، وأيضا عن دور سلبي للسياسات والإجراءات خلال عقود، لكن الشتم السلبي ليس الهدف بل ضرورة إعادة المكانة .
وهناك مؤسسات مفصلية تمثل هوية الدولة، ولها دور رئيس، في استقرار الدولة بمفهومها الشامل، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية، فهما من عناوين الدولة، وهناك من يتعمد الإساءة أو الحديث عنهما، بشكل هدفه تقديمهما مؤسسات عبء، على الاقتصاد أو الناس، أو تقديمهما نقيضا للحريات والإصلاح، وأساليب أخرى، لكنّ العبرة في وعي يدرك الأسماء الحركية، لعمليات الاستهداف، الذي يريد ان يصل في نهاياته الى هوية الدولة وعنوانها .
ما سبق لايعني قداسة المؤسسات أوعدم معاقبة أي فساد، لكن ما نتحدث عنه الفعل الموجّه الذي يعمل ببرنامج سياسي .
وفي المراحل القلقة التي يعيشها الإقليم، يمثل تغير الجغرافيا تمددا وتقلصا، خطرا كبيرا على اسم الدولة ومضمونها الوطني، كما تمثل الهجرات السكانية، التي يمكن أن تتحول إلى عمليات توطين، تهديدا لتركيبة الدول، فإضافة جغرافيا جديدة، تحت عناوين الكونفدرالية أو الفدرالية، أو الضم أو أشكال الوحدة غير الناضجة، بما يعنيه هذا من تغيير، في بنية الدولة السكانية، وإذا كان الاحتلال الصهيوني، هو الخطر على بنية أكثر من دولة، وهوية عربية، أولها فلسطين ولبنان والأردن ...، فإن الأحداث الكبيرة في المنطقة، لاتخلو من تحديات كبرى، تحتاج إلى تعامل بذات المستوى، من الوعي والأدوات القوية الفاعلة.
نعلم جيدا أن عناصر القوة في الدولة الأردنية قوية، وأن وجود تحديات لايعني تحققها، لكن الغاية الأساسية من الحديث في هذا الأمر، لفت الأنظار إلى ضرورة أن يكون هناك برنامج جامع، ينتقل بنا من الاستغراق في تفاصيل وشكليات، إلى القضايا والتحديات الكبرى، التي تجمع ولاتفرق، مع ضرورة التعامل مع قضايا الدولة، من المشهد الكلي، الذي يجعلنا ندرك التحديات الحقيقية، وليس القضايا العادية، التي نحولها إلى ملفات كبرى، بكثرة الضجيج حولها .
«المملكة الأردنية الهاشمية « ..كيف تبقى قوية ببنيتها السياسية، وهويتها الوطنية؟ وكيف تواجه تحديات الإقليم؟ عنوان لبرنامج يخرجنا من الشعارات، ويلزمنا بصدق في المواقف، واختبار لقدرات الحكومات، وأهل السياسة والنُّخب.
الدستور